قصص من صمود المرأة السورية في ظل الانتهاكات والأعباء

قصص من صمود المرأة السورية في ظل الانتهاكات والأعباء

08 مارس 2020
المرأة السورية تعاني الأمرين بسبب القصف والنزوح (Getty)
+ الخط -
تواجه المرأة السورية ظروفاً غاية في الصعوبة منذ انطلاق الثورة 2011 حيث أجبرت على النزوح والسير جنباً إلى جنب مع الرجل لإيصال أسرتها إلى بر الأمان ومواجهة مخاطر كبيرة، وبالإضافة لآلام النزوح واللجوء تعرضت النساء السوريات للملاحقة والاعتقال والتعذيب، وتقول الشبكة السورية لحقوق الإنسان إن المرأة السورية ما تزال تعاني من أسوأ أنماط الانتهاكات، إذ وثقت الشبكة مقتل ما لا يقل عن 28316 أنثى، في حين أن ما لا يقل عن 9668 امرأة لا تزال قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري. 

تروي خديجة خطيب مديرة النقطة النسائية لمنطقة تل منس في الدفاع المدني السوري، التي اختصت بالتخدير والعناية، لـ"العربي الجديد" عن حياتها بظل القصف والحملة العسكرية على إدلب "نحن نازحون بسبب الحملة العسكرية التي يشنها النظام وروسيا علينا في الفترة الأخيرة، نزحنا للمرة الأولى وتكرر نزوحنا مرة أخرى، فنحن هنا لا ننزح مرة واحدة فقط، بل ننزح مرتين أو ثلاثا بسبب الوضع، أنا متزوجة ولدي طفلة نازحة مع أهلي، الناس الذين نزحوا رأوا الموت في الطريق".

كامرأة عليها واجبات تجاه عائلتها وعملها، تتحدث خديجة قائلة "كامرأة سورية أواجه الكثير من الضغوطات، الأكثر إزعاجاً منها هي الضغوطات الاجتماعية، مع هذا أنا أقول إن الإرادة فوق كل شيء، كما لدي صعوبة كبيرة لأنني أقيم في مدينة الباب واضطر للقدوم إلى مدينة إدلب، ولدي صعوبة كبيرة جداً بالتوفيق بين رضا العائلة والمجتمع وعملي في الدفاع المدني، هناك إرادة وهناك عمل وهناك طموح والمزيد من الطموح إن شاء الله".

لكن دوافع الصبر لدى خديجة كبيرة تتصاعد مع الظروف كما تشير قائلة "تطوعت في الدفاع المدني السوري في عام 2017، كنت أدرس وأتابع دورات وأمارس نشاطات. أنا لست من النوع الذي يحب أن يتواجد في البيت ويدعي أنه يسعى للعمل، وضعت في بالي أن أكون شخصاً متعاوناً وفاعلاً في المجتمع. أواجه بعض المشاكل في البيت، فأقصر في بعض الجوانب الحياتية، وهذا صحيح فلا أحد كامل، لكن هناك مراعاة وتفهماً للظروف"، وتصف خديجة المرأة السورية التي عانت النزوح وضغوطات الحياة والقصف وكل الظروف الصعبة بالمرأة الحديدية، تعبيراً عما قدمته هذه المرأة طوال أعوام من عمر الثورة.

مهام جديدة

ضحوك العزو، متطوعة أيضاً في الدفاع المدني وتتبع لقطاع معرة النعمان، نزحت منذ ثلاثة أشهر إلى إدلب بسبب الأوضاع الصعبة، وكون المنطقة لم تعد الحياة فيها ممكنة "أنا أم في أسرة لديها خمسة أطفال، زوجي وأطفالي موجودون معي، وأنا كامرأة عاملة في الوقت الحالي المعيل الوحيد لأسرتي، كونه في الظروف الحالية الشباب لم يعد لديهم فرص للعمل، ولدي شابان وزوجي وأنا المعيلة لهم في الوقت الحالي".

وكما كل النساء في الشمال السوري تتعرض ضحوك لضغوطات كبيرة بسبب القصف والوضع الراهن، وتقول أيضاً "نحن كمجتمع شرقي مهما كان نوع العمل الذي تقوم به المرأة فهي تكون محط أنظار الناس وانتقاداتهم والضغوطات تجاهها، ونحن بالنسبة لعملنا في الدفاع المدني، الذي يتطلب منا التواجد في أماكن حساسة وحرجة، دائماً نتعرض للنقد من المجتمع  بأننا نختلط مع كل فئات المجتمع، وهذا يسبب لنا الكثير من الضغط. أنا أحب أن يصل صوتي عن الصورة الحقيقية عن المتطوعات في الدفاع المدني، فنحن نعمل في منظمة إنسانية فمن واجبنا محاكاة كل فئات المجتمع، رجالا ونساء، ونقدم المساعدة التي نقدر أن نقدمها لهم، وفي المجتمع الشرقي التعب في المنزل هو من واجبات المرأة، أما في الوقت الحالي فيفرض علينا التعب في المنزل والتعب في الخارج، مع كل هذا نحن نبقى مضطهدات، فضلاً عن أن الحرب أوجبت علينا حماية أطفالنا وحماية أطفال الآخرين، أوجبت علينا مسؤولية تأمين التعليم لأطفالنا حتى لو كان علينا أن نعلمهم نحن، لم يعد هناك مدارس آمنة نرسلهم إليها، فالأم من واجباتها أن تكون المعلم لأطفالها، وأن تؤمن لهم الرعاية الصحية والتعليمية، وكل هذا مسؤولية الأم حصراً، وهذا ينطبق بشكل عام على كافة النساء السوريات".


وتتطلع المهندسة الزراعية، سميرة حسن، لما هو أفضل للنساء السوريات، حيث تقول لـ"العربي الجديد": "أتمنى كل الخير للنساء السوريات والنساء في كل العالم، وكوني سورية أتمنى أن تنعم الأم السورية والنساء السوريات مع أطفالهن وعائلاتهن بالسلام وبنظام اجتماعي وسياسي أكثر عدالة وصوناً لحقوق النساء والأطفال، وأن تحصل المرأة على حقوق أكثر في ما يتعلق بحق إعطاء الجنسية لأطفالها وساعات عمل أقل ورواتب أعلى وحق الأمومة وحقها في إجازة طفولة أطول مع ضمان اجتماعي وصحي حقيقي، وأن يكتسب حقها بالتساوي مع الرجل، خصوصاً في ما يتعلق بالميراث، وأن ترفع عنها آثار بعض العادات والتقاليد الاجتماعية وقضايا الزواج والشرف والحد من "جرائم الشرف".

ولدى شيرين خليل، من مدينة القامشلي بريف محافظة الحسكة، نظرة أيضاً عن واقع المرأة السورية وتخبر "العربي الجديد" أنه لا تستطيع المرأة تلخيص تطلعات المستقبل ببعض الكلمات، لأنها كأم وأخت وزوجة تتحمل مسؤولية التفكير بمستقبلها ومستقبل من حولها ولنفسها زاوية من تلك التطلعات "أنا كامرأة أعمل في مجال الإعلام، اتطلع للنجاح في هذا العمل الشاق والممتع، وأن أكون مستقلة في الحياة بعيدة عن القيود وعن المعتقدات البالية التي قيدني فيها مجتمعي سابقاً،  كما أرغب أن أكون مصدراً ينتفع منه البعض ويتعلمون منه، وأن أكون قدوة لأخوتي وأولادي".

 المرأة السورية تعرضت لمختلف أنواع الانتهاكات


قالت الشبكة السورية في تقرير لها، اليوم الأحد، أن النظام قتل 21933 أنثى بينما قتلت القوات الروسية 1578، وقتل تنظيم "داعش" الإرهابي 980، وهيئة تحرير الشام 81، و1307 قتلنَ على يد فصائل في المعارضة المسلحة، فيما قتلت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) 250، وقتلت قوات التحالف الدولي 959، كما سجل التقرير مقتل 1228 أنثى على يد جهات أخرى (لم يسمّها).

وأضاف أن، ما لا يقل عن 9668 أنثى لا يزلنَ قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري منذ مارس / آذار 2011، منهن 8156 على يد قوات النظام السوري، و249 على يد تنظيم "داعش"، و29 على يد هيئة تحرير الشام، و851 على يد فصائل في المعارضة المسلحة، و383 على يد "قسد".

ووفقاً للتقرير فإنَّ ما لا يقل عن 90 أنثى قتلنَ بسبب التَّعذيب على يد الأطراف الرئيسة الفاعلة في سورية، 72 منهن على يد قوات النظام السوري، و14 على يد تنظيم "داعش"، وأنثى واحدة قتلت بسبب التعذيب على يد كل من فصائل في المعارضة المسلحة وجهات أخرى، واثنتان على يد "قسد".

كما سجَّل وجود ما لا يقل عن 11523 حادثة عنف جنسي، ارتكب النظام السوري 8013 منها، بينها 871 حصلت داخل مراكز الاحتجاز، وارتكب تنظيم "داعش" 3487 حادثة، في حين أن ما لا يقل عن 11 حادثة عنف جنسي ارتكبتها فصائل في المعارضة المسلحة، و12 حادثة على يد "قسد".

وبحسب التقرير فقد تعرضت الإناث في سورية -طفلات وبالغات- لمختلف أنماط الانتهاكات من القتل خارج نطاق القانون والاعتقال التعسفي، والتعذيب، والإعدام، والاختفاء القسري، والعنف الجنسي، والتشريد القسري، والحصار، والحرمان من الرعاية الصحية والخدمات الأساسية، ووصلت العديد من هذه الانتهاكات وخاصة القتل والتعذيب والإخفاء القسري إلى معدلات هي الأسوأ في العالم.

وأشار إلى أن، النساء والفتيات السوريات لم يقعن ضحايا للنزاع بشكل عارض، بل كنَّ وعلى نحو كبير مستهدفات بشكل مباشر، حيث تم استهدافهن إما بسبب مساهمتهن الفعالة في العمل الاجتماعي والإنساني، والسياسي، والحقوقي، والإغاثي، والطبي، والإعلامي، أو لمجرد كونهنَّ إناثاً؛ بهدف تهميشهن وكسرهن، ولقمع المجتمع وترهيبه من عواقب مناهضته للسلطات؛ لما تحتله المرأة من مكانة في المجتمع السوري مرتبطة بأعراف ومعتقدات.

وفي هذا السياق أكد التقرير أن، النزاع المسلح الداخلي فرضَ على السوريات تغييراً ثقيلاً، فقد تسبَّبت الحصيلة المرتفعة من حيث القتل والاختفاء بحق الرجال في المجتمع، في انتقال عبء إضافي إلى المرأة، حيث ارتفعت نسبة الأُسر التي تُعيلها السيدات، وبالتالي لعبت السيدات دوراً جديداً يُضاف إلى أدوارهنَّ الاعتيادية، وخضعن بالتالي إلى ظروف مركَّبة يصعب التأقلم معها؛ لأنها تفوق في كثير من الأحيان قدراتهن وإمكاناتهن المادية والمعنوية.

وطالب التقرير مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار ملزم خاص بالحقوق الأساسية للمرأة، يحميها بشكل قطعي من عمليات القتل العشوائي، وضدَّ أي اعتداء على شرفها، ولا سيما ضدَّ الاغتصاب، والإكراه على البغاء وأي هتك لحرمة الإناث.

كما شدّد على ضرورة إيصال مساعدات عاجلة للمشردات قسرياً، وإطلاق سراح المعتقلات فورياً واتخاذ فعل حقيقي تجاه كل هذا الكم المرعب من الانتهاكات بحقها، وحثّ المقرّر الخاص المعني بالعنف ضدَّ النساء وأسبابه ونتائجه على تكثيف جهوده في سورية؛ نظراً لحجم العنف الذي تتعرض له المرأة السورية، على وجه الخصوص من قبل الحكومة السورية نفسها، مقارنة بأية امرأة تحت ظلِّ أية حكومة في العالم وبشكل خاص النساء في مراكز الاعتقال التابعة للنظام السوري وأجهزته الأمنية.

المساهمون