قصص على مقاس الوطن

الكنز
معلمنا القديم، سي العربي، الذي مات، أخيراً، بسبب مضاعفات السكري وغبار الطباشير، الذي تسرب إلى رئتيه، علمنا أن الدرهم الأبيض ينفع في اليوم الأسود، وحين كبرنا قضينا وقتاً طويلاً نبحث عن الدرهم في الأسواق والمصانع البعيدة والوزارات ومربعات الحظ، وحفرنا طويلاً بأظافرنا المتسخة في الحقول، بحثاً عن الكنوز المطمورة، ولم نعثر على شيء، فكذبنا معلمنا القديم، وجلسنا نكتب روايتنا الحزينة. ولأن لكل واحد منا روايته السوداء، فلا أحد فكر أن يقرأ للآخرين.
دعوات مغشوشة
البقال الجنوبي، ذو الهيئة الممسوحة، يدعو لنا بأموال تعويضية، والأستاذ الوسيم، صاحب البذلة الضيقة من جهة الكتفين، يتمنى النجاح للجميع. والممرضات البدينات، سارقات المعلبات في المستشفيات الحكومية، يرفعن دعوات الشفاء للمرضى النائمين تحت أنابيب مدببة، والجميلات المحتجزات خلف شبابيك المحطات، يتمنين سلامة الوصول للمسافرين، فيما الشعراء تنفطر قصائدهم بالذي نشتهيه، حتى أننا داعبنا خيول الحنان الهائجة بأصابعنا غير ما مرة، وقاومنا ألا نبكي. لكن، تعالوا جميعاً، ولنجلس حول طاولة الشرق النخرة، لنعد بالآلة الحاسبة عدد الناجين من الموت في الطرقات، وعدد المعدمين والجياع المحترمين في القرى البعيدة، وتعالوا لنجس الصحة في وجوه النائمين في ألبوم العائلة. وحده الإله النائم في البطاقات البنكية "البيومترية" يحرس خطواتنا من السقوط، وأجسادنا من التلف، مثلما يحرس ذاكرتنا من الخرف، كي لا نسقط في أيدي أفراد حكومتنا القساة. فشكراً يا أيها المال القذر!
الشرطي الشجرة
كلما مررت من أمامها تتبعثر خطواتي، وأكاد أهوي على وجهي، وأتضرج بدماء كثيرة، ويكاد لا يصل أحد لإسعافي، أقصد شجرة الليمون المغروسة أمام جارنا، الذي لا أعرف عمله. أشعر كما لو أن شخصاً يختبئ بين أغصانها. ولأن الشجرة كبيرة أشعر أحيانا أن هناك شخصين لا واحداً، واحداً يملي والآخر يكتب. أتباطأ في المشي، وأشعر بدبيب القلم من اليمين إلى اليسار. لا أعرف كم من مجلد كتبا إلى الآن، ولأن ضوء البلدية شحيح جداً، فأرجح أن الرجلين يكتبان بخط رديء، كما أن هناك مشكلة في الهمزة وتشطيبات كثيرة. وللإشارة فقط: أنا أضبط صفاء الذاكرة بالرياضة وحبات الجزر.
سطو
(كاتب) يسطو على قصة قصيرة، ويفوز بجائزة، قطعاً ليس كاتباً، ولذلك، سجنته بين قوسين إلى إشعار آخر. صحافية سطت على مقال، ونشرته في الجريدة باسمها، إلى جانب صورتها حيث ضفيرتان قصيرتان، وابتسامة زائر شامت. أستاذ جامعي اتكأ بقلمه وليس بقامته، على بحث من اثنتي عشرة صفحة لأحد الباحثين المشارقة، ونشره باسمه في مجلة كافأته بلترات من نفط أسود. وزراء يسرقون الوطن ويهربونه إلى الخارج مدعوكاً في الحقائب. وإمام مسجد يسرق أغراض بيت الله، من حصير وقطع سجاد أحمر، ويختفي تاركاً الريح تعوي وسط المسجد كذئاب جائعة. رجال بالمئات يسرقون قلوب صديقاتهم، ويختفون خلف حشائش الحياة إلى الأبد. نساء بعدد النجوم يسرقن جيوب الرجال، ويظهرن في أماكن بعيدة. وبين كل سرقة وسرقة، يبتسم الرجل لنبل المرأة وتبتسم المرأة لسخاء الرجل. هذا وطن اللصوص والمحتالين والدجالين والعاشقين، وأستغرب كيف أن كثيرين ما زالوا يخرجون إلى الشارع، ويندمجون بسرعة مع دعس بالأرجل وتدافع بالمرافق، هكذا، بعيون معمشة وقامات متدلية إلى الأسفل مثل مشانق.