قصر موسى اللبناني... تشابه مع "القصر المثالي" في فرنسا

قصر موسى في لبنان: أحداث متشابهة مع "القصر المثالي" في فرنسا

04 نوفمبر 2019
بدأ شوفال في بناء قصره وحده (فرانس برس)
+ الخط -
كل من شاهد أو سمع عن قصر موسى في لبنان، قد يتفاجأ حين يشاهد الفيلم الفرنسي Le facteur Cheval أو le Palais Ideal. تدور أحداث الفيلم حول قصة حقيقية لساعي البريد الفرنسي، فرديناند شوفال، الذي ولد عام 1836 وتوفي في عام 1924. وقضَى ثلاثين عاماً من حياته في بناء القصر المثالي الذي يُعتبَر حالة استثنائية في فن العمارة الساذجة.

يظهر الفيلم شوفال كرجل هادئ غير اجتماعي، يعمل بجهد وتفانٍ في وظيفته. لكن بعد زواجه الثاني، عقب وفاة زوجته الأولى، يُرزَق بطفلة تصبح محور حياته، ويقرّر أن يبني لها قصراً، تحقيقًا لأحلامٍ طالما راودته منذ الصغر.
ويبدأ شوفال في بناء قصره وحده عام 1879، ذلك حين كان كعادته يسيرُ بين الأحراج ليوصل البريد، فيتعثّر بحجر ويتدحرج على مسافة أمتار قليلة من المكان. وبحسب ما يروي شوفال، حلم ذات مرّة، ببناء قلعة أو قصرٍ، لكنّه خشي أن يخبر أحداً بالأمر، خوفاً من الاستهزاء به. لكن بعد مرور 15 عاماً، حين كان على وشك نسيان حلمه، وبعد أن توقّف كليّاً عن التفكير بالأمر، استعاد تلك الذكرى عبر هذا الحجر الذي أرداه أرضاً، وكان غريب الشكل، لكن لشدة إعجابه به وضعه في جيبه. وفي اليوم التالي عاد إلى المكان ذاته ليعثر على المزيد من الحجارة الجميلة التي جمعها، وعاد بها إلى منزله.

يخبر شوفال، أنّه بما أنّ الطبيعة قد نحتت الحجارة على أشكال جميلة، ما كان عليه سوى البدء في البناء. وفي الواقع قد أمضى هذا الرجل البسيط، ثلاثين عاماً يجمع الحجارة بشكل يومي خلال جولته كساعي بريد، وينقلها إلى قرب منزله حيث يبني قصره. كان عملاً استمتع به على الرغم من المصاعب والمحن، ولم يتوقف حتى خلال البرد والصقيع، وغالباً ما كان يعمل أثناء الليل على ضوء مصباح الزيت. وقضى العشرين عاماً الأولى في بناء الجدران الخارجية للقصر فقط.


قوبل عمله بالسخرية في البداية، ولم يتلقّ شوفال أي تقدير لإنجازه القصر المثالي، إلا بعد وفاته، ففي عام 1932 أنشأ الفنان الألماني، ماكس إرنست، ملصقاً بعنوان "ساعي البريد شوفال". وفي عام 1969، أعلن أندريه مالرو، وزير الثقافة الفرنسي، القصر معلماً ثقافياً. وفي عام 1986 وضعت صورة شوفال على طابع بريد فرنسي.
أمّا قلعة موسى في لبنان، والتي بناها موسى عبد الكريم المعماري بمفرده، فتروي قصّة مختلفة نوعاً ما من حيث تسلسل الأحداث، بيد أنّها تحمل الإلهام والتصميم ذاته. مع العلم أن عبد الكريم ولد في عام 1931 أي بعد سنوات من وفاة شوفال، وعمل فترة مضاعفة في بناء قصره، استمرّت ستين عاماً. لكنّه بدأ التفكير في بناء قلعته الحلم، وهو لا يزال طالباً على مقاعد الدراسة، إذْ رسمها على ورقة في الصف. كل ذلك في زمن يصعب وصول الأفلام الاجنبية إلينا، إذ أنتج أدو كيرو في عام 1958 فيلماً بعنوان "القصر المثالي" يروي قصة شوفال.
وبدأ عبد الكريم في بناء قصره عام 1945 ولغاية عام 1995 بمفرده، بناه حجراً حجراً. ويعتبر اليوم من المتاحف اللبنانية المتميزة ومن أهمّ المعالم التاريخية والسياحية المشهورة في لبنان. وتروي غرف القصر قصص أشخاص عاشوا في لبنان بين القرن التاسع عشر والعشرين.
شوفال، ساعي البريد الفرنسي، وعبد الكريم، المعماري اللبناني، يقدّمان للعالم صورة عن العزم والإرادة خاصة حين نؤمن بقدرتنا على تحقيق أحلامنا. كلاهما لم يحظيا بشهادات علمية عالية، بل تركا مقاعد الدراسة أطفالاً، قبل أن يبلغا سن الرشد، وعلى الرغم من ذلك، تمكَّنا من تحقيق حلم طفولة بريء قد يراود الكثير منّا، لكننا ننجرف في الطريق التي رسمها لنا المجتمع، ونتخلّى أحياناً حتى عن أحلام بسيطة. أمّا هذان الرجلان فلم يكترثا بما قد يقوله الناس عنهما، ولم يأبها بكل من حاول إحباط عزيمتهما. لم تجمعهما ثقافة واحدة أو أرض واحدة، بل جمعهما حلم واحد حققه كل منهما على طريقته. حلم استغرق سنوات طويلة من حياتهما، لكن من الواضح أنّهما اختارا أن يقضيا العمر في تحويل هذا الحلم إلى حقيقة.

المساهمون