قصر العظم في دمشق

قصر العظم في دمشق

08 نوفمبر 2016
اتخذ المفوض السامي الفرنسي القصر مقراً لإقامته (فيسبوك)
+ الخط -
بالرغم من عراقة الشام؛ فإن ما تركته لنا السنون من قصور دمشقية لا يتناسب مع ما ذكر في كتب التراث عنها، فلم يتبق مما بني من قصور بني أمية إلا ما كان خارج أسوارها. تحدث ابن عساكر في تاريخه عن دار الإمارة، ودار هشام، ودار عمر بن عبد العزيز، كما تحدث البحتري عن قصر أنشأه المتوكل العباسي بين داريا والمزة، وبنى خمارويه قصراً في الربوة، ولكن لا أثر لجميع تلك الدور الآن.
من هنا يمتاز قصر العظم بأنه أقدم الدور الأثرية الدمشقية الباقية، التي تفلتت من يد العبث. كان أسعد باشا العظم (1701-1757) قد بنى قصرين، أحدهما في دمشق 1747، والثاني في حماة 1750 (يشغله اليوم متحف حماة)، إضافة إلى العديد من الأبنيه الأخرى.
ظلّ العظم، وهو من أصول تركية، والياً على الشام لمدة 12 عاما،ً وكان أميراً لموكب الحج الشامي، وفي عهده قام الناس بالثورة بسبب غلاء أسعار الخبز. وقد عزل من منصبه، ونفي إلى جزيرة كريت، ثم قتل في أنقرة إثر خلاف مع السلطان العثماني.

ينتمي قصر العظم إلى العمارة الدمشيقة التي يصفها بعض المعماريين بأنها تحمل عنصر المفاجأة، فللبيت الدمشقي سمات لا توجد في غيره، فهو من الخارج يبدو متواضعاً أصم، لا زخارف فيه ولا فتحات، اللهم إلا فتحة الباب الخارجي، أما من الداخل فهو جنة فيحاء لما يتحلى به من جمال من الناحيتين الطبيعية والمعمارية.
تبلغ مساحة القصر 5500 متر مربع، ووفقاً لبعض المؤرخين المعاصرين لبناء القصر، فإنه بني على أنقاض بيوت أثرية قديمة، إذ يقول الشيخ أحمد البديري عن حوادث سنة 1163هـ: "وفي تلك الأيام أخذ الوزير أسعد باشا دار معاوية رحمه الله، وأخذ ما حولها من الخانات والدور والدكاكين وهدمها، وشرع في عمارة دار السرايا الشهورة...".
استدعى أسعد باشا كل الصناع المهرة في كافة الفنون للخروج بتحفة معمارية خالدة. وإجمالاً فللقصر قسمان؛ أحدهما عام لاستقبال الناس (السلملك)، وبه مكان خاص بجلوس الوالي واستقبال أرباب الدولة وأصحاب الحاجات، والثاني خاص بالحريم (الحرملك)، مضاف إليهما قسم خاص بالخدم والاصطبلات.
يتكون السلملك من صحن مستطيل، وفي صدره نحو الجنوب إيوان كبير يطل على الصحن الذي تتوسطه بركة ماء واسعة، وعلى جانبيه غرفتان واسعتان، وغرف أخرى موزعة في الجهات الغربية والشمالية. وفي شرق الصحن بناء حديث يعود لسنة 1935، وقد بني ليكون سكناً لمدير المعهد الفرنسي الذي كان يشغل القصر آنذاك.
أما الحرملك، فله صحن تبلغ مساحته 1125 متراً مربعاً، ويوجد به بحرتان إحداهما مستطيلة والأخرى مستديرة، وبينهما ممر مائي مستطيل، وتحيط به الحدائق من كل جانب. وللحرملك إيوانان صمما ليكون أحدهما صيفياً وهو الجنوبي، والثاني شتوياً وهو الشمالي، فيما يضم الحرملك عدداً من القاعات المهمة في عمارتها وزخارفها. وفي عمارة قصر العظم الكثير من التفاصيل المعمارية التي تدل على أنه واحد من أهم معالم العمارة الإسلامية في القرن الثامن عشر.
في بداية الاحتلال الفرنسي سنة 1920 اتخذه المفوض السامي الفرنسي مقراً لإقامته. بعد ذلك، اشترته الحكومة الفرنسية من ورثته وحولته إلى معهد للدراسات العلمية. وقد تعرَّض القصر لأضرار كبيرة بعد حريق سنة 1925، إثر القصف الفرنسي لدمشق؛ فزالت محاسنه وتشتتت آثاره. بعد ذلك أعيد ترميمه وافتتاحه بعد أن تحول سنة 1954 إلى متحف التقاليد الشعبية.

دلالات

المساهمون