قصر "سعد آباد".. الفنّ الحديث في بلاط فارس

قصر "سعد آباد".. الفنّ الحديث في بلاط فارس

09 ابريل 2015
القصر الأخضر يتحدّى الزمن بحجارته القابلة للتمدّد (Getty)
+ الخط -
كان على رضا شاه بهلوي، وابنه من بعده، محمد رضا بهلوي، آخر ملوك إيران؛ أن يقطعا شارعاً بطول 18 كيلومتراً ليصلا إلى قصرهما، شمالي طهران، بعد يوم عمل طويل في القصور الواقعة جنوبي العاصمة، والقريبة من المراكز الإدارية ووزارات الدولة.
اليوم، يقطع الجميع هذا الشارع المسمى بشارع "ولي عصر"، الذي تظلّله أشجار خضراء طويلة، في الطريق إلى قصر "سعد آباد"، المفضّل لدى الأسرة البهلوية، حيث تُروى قصص حقبة مهمّة في التاريخ الإيراني.
يقع "سعد آباد" على تلّة مشرفة على مناطق شمالي العاصمة الإيرانية، وبمجرد دخولك بوابة القصر الفولاذية الكبيرة حتى تشعر بهدوء غريب، فالمكان بعيد عن الضوضاء، ويتمتّع بميزات مناخية مختلفة، حيث لا تتجاوز درجة الحرارة هناك العشرين درجة في أشدّ الأيام حرارة في طهران، بل ويتمتّع بميزات طبيعية متميزة، فالقصر مبني أساساً في منطقة كثيفة الأشجار، بالقرب من سلاسل جبلية عالية، يمرّ بها نهر جعفر آباد، والذي بقي يمشي حتى اليوم في قنوات حفرت داخل هذه المنطقة، لتروي الأشجار ولترطّب الأجواء.
يتكوّن القصر من 18 مبنى، لذا يفضّل الإيرانيون اليوم إطلاق اسم "مجموعة سعد آباد" على هذه القصور، التي تمتدّ على مساحة 300 هكتار، 180 هكتاراً منها مزروعة بالأشجار والغابات الطبيعية.
تحوّل العديد من هذه القصور اليوم إلى متاحف مختلفة، لا تروي قصص البهلوية فقط، ولكنّها تروي التاريخ الإيراني الفنّي والثقافي على مرّ العصور، فالقصر الأسود، الذي كان يسكنه وزير الدولة، تحوّل اليوم إلى متحف الفنون الجميلة، وقصر عصمت دولت شاهي، زوجة رضا شاه البهلوي، بات متحفاً يجمع أعمال الفنان محمود فرشتشيان، وهو من أبرز الفنانين الإيرانيين، وهو ابتكر مدرسة جديدة لرسم المنمنمات الإيرانية.
رغم أنّ القصر بُني في عهد القاجاريين، الذين حكموا البلاد قبل السلسلة البهلوية، التي حكمت بدورها عشرينيات القرن الماضي، واتخذته مقراً صيفياً وحسب، إلا أنه بات لاحقاً مركز الإقامة الدائمة لمسؤولي البهلوية، وقام هؤلاء بتوسيعه وبإعادة ترميمه وتصميمه، وأصبحت مجموعاته تختصّ بالسلاطين وبأفراد العائلة وبضيوفهم.

القصر الأخضر
أبرز المعالم في هذا المكان، هو القصر الأخضر، والذي سمي بهذا الاسم بسبب طلائه الخارجي الأخضر، واستخدام بعض النقوش والأحجار الخضراء في داخله، وهو كان مكان إقامة الشاه وعمله، ويتشكّل من طابقين وحسب، ويقع أعلى نقطة من هذه المجموعة، حيث يشرف على بقية الأبنية.
بني القصر الأخضر على يد معماريين وفنانين إيرانيين، فمزجوا بين طراز العمارة الإسلامي الإيراني والفنّ الحديث، فمن الممكن أن يلحظ الزائر الطراز الأوروبي الفرنسي والإيطالي على وجه الخصوص في هذا البناء.
فرش السجاد الإيراني الحريري المعروف في مكتب الشاه وفي غرفة نومه، وزيّنت غرفه بالشمعدانات والأنوار، والكريستال زين الأسقف، وما يلفت كلّ زائر هو غرفة الطعام في طابق تحت الأرض، فكراسيها ونقوشها وأدوات مائدتها الفضية فاخرة للغاية، أحضرها الشاه خصيصاً من إيطاليا، فلطالما قيل إن محمد رضا شاه، الذي حكم إيران مع بدايات أربعينيات القرن الماضي حتى انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، كان يحبّ الفخامة والرفاهية كزوجته فرح ديبا.
الأحجار التي بني منها هذا القصر، تتمتع بخاصية التمدّد والتقلص، وهو ما يعزّز صمودها في وجه عوامل الزمن، وما يجعل قصر الشاه أثراً قائماً حتى سنوات طوال، والجدران الداخلية مزينة بنقوش أوروبية وإيرانية الطراز في الوقت ذاته، فنانوها مجهولون حتى اليوم، رغم أنّ الشاه طلب فنانين معروفين كأمثال حسين بهزاد، لتزيين بعض قصور مجموعة سعد آباد.
في القصر الأخضر، يلاحظ وجود لوحات وهدايا تزيينية كثيرة، مقدّمة من ملوك ورؤساء بلدان أخرى للشاه ولزوجته، الذين عُلّقت ملابسهما كذلك، وبقيت في مكانها كما تركوها قبل رحيلهما إلى الولايات المتحدة، مع اشتداد احتجاجات الثورة الإيرانية، وكما ترك الشاه ثيابه وهداياه الفاخرة، ترك مجموعة سيارات في "سعد آباد"، حيث قام محمد رضا شاه بتجميعها وشرائها، وهذه المجموعة تخرج للعلن مرّة بين الفينة والأخرى.
وكما ترك الشاه البهلوي الثاني والأخير كلّ ما كان قريباً من قلبه، تركت الملكة فرح ديبا خلفها ملابسها ولوحات ثمينة ونادرة، كانت قد حصلت عليها كهدايا أو اشترتها من مزادات أوروبية، فقد حوّلت ديبا قاعات من قصر "مجلس الشعب" الموجود في مجموعة سعد آباد كذلك، إلى متحف فنّي، فأحضرت فنانين فرنسيين لتصميم هذه القاعة التي تحتوي اليوم على لوحات وآثار فنية لفنانين عالميين.

القصر الأبيض
القصر الآخر الملفت لكلّ زائر في مجموعة سعد آباد، هو القصر الأبيض، والذي بني أساساً لاستقبال الضيوف، ويخلط كما كل تلك المجموعات بين الفنّ التقليدي الإيراني والفنّ المعاصر، فرضا شاه كان يستقبل فيه ضيوفه المقربين والخاصين، ولكن ابنه محمد رضا شاه، استقبل فيه رؤساء وملوكاً، ومنهم الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر والرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول.
ما إن يعبر الزائر من بوابة "سعد آباد"، حتى تزهر في ذهنه حكايات كثيرة، تذكّره بزمن مضى، ولكن مع كل حكاية ترويها زوايا هذا القصر وتروي معها تفاصيل نمط حياة ملوك البهلوية في إيران، تعود ذكريات الثورة التي قامت على هذا الحكم.

المساهمون