يستكمل "العربي الجديد" تقديم سلسلة مقالات (عصير الكرة) عن أفضل وأبرز ما كتب حول أسرار عالم الرياضة ونجومه، وندخل معاً إلى الكتاب الخاص بنجم التنس الإسباني رافائيل نادال.
كانت المرة الأولى التي أشعر فيها بسعادة الفوز في عالم التنس وأنا في الثامنة من عمري، عندما فزت ببطولة جزر البليار للأشبال تحت 12 عاما، حتى الآن أتذكر أنه كان أحد الانتصارات الأهم في مسيرتي، فقد كنت أصغر الجميع بأربع سنوات، كانت تبدو وكأنها دهر، وكان المنافسون يبدون لي كائنات أسطورية.
خضت تلك البطولة ولا فكرة لدي عن أنني سأفوز، حتى تلك الفترة كنت قد فزت ببطولة أمام منافسين من سني. لخوض هذه البطولة تدربت مع توني طوال أكثر من عام لخمسة أيام في الأسبوع، ساعة ونصف الساعة في اليوم. لا أعتقد أن أيا من المشاركين فيها قد تدرب مثلي مع مدرب يدفعك لتقديم المزيد مثل عمي، وبفضله أيضا كنت أعرف اللعبة أكثر منهم.
خطط توني والتفوق منذ الصغر
كان توني يلزمني منذ بداية التدريبات بالتفكير في الجوانب الخططية الأساسية للتنس. عندما كان أمر ما لا يسير على نحو جيد، كان يسألني: "في مَ أخفقت؟"، ونحلل الأخطاء التي ارتكبتها، كان يدفعني للتفكير، كان يقول إن التنس رياضة يجب فيها معالجة كمية كبيرة من المعلومات بسرعة شديدة.
كان توني يعزز صلابتي الذهنية، وهو ما آتى ثماره في ربع نهائي تلك البطولة، حيث واجهت المرشح للفوز باللقب، كان يكبرني بثلاث سنوات. خسرت الأشواط الثلاثة الأولى دون أن أفوز بنقطة واحدة، ولكنني حسمت المباراة دون خسارة مجموعة، وكذا الحال في نصف النهائي والنهائي.
البطولة الأهم!
لازلت أحتفظ بكأس تلك البطولة في منزلي بجوار الألقاب التي حققتها كلاعب محترف، كان فوزا هاما للغاية أعطاني الدفعة التي كنت أحتاج لها لما تلى ذلك.
شعرنا بسعادة غامرة في اليوم الذي فزت بتلك البطولة، ولكن توني لم يتمالك رغبته في منع الفوز من التأثير على رؤيتي للأمور، فأجرى اتصالا بالاتحاد الإسباني للتنس مدعيا أنه صحافي يريد قائمة باللاعبين الذين فازوا في هذه البطولة خلال نسخها الـ25 الماضية، بعدها وأمام كل العائلة، تلاها اسماً تلو الآخر بصوت مرتفع.
سألني بعدها إذا كنت قد سمعت اسم أحد منهم؟ هل تعرف هذا أو ذاك؟ خمسة منهم فقط وصلوا لمستوى لائق كمحترفين، أسماؤهم لم تكن غريبة علي. ابتسم توني وقال "هل أدركت يا رافائيل؟ فرصك في أن تصبح محترفا 20%. لذا فلا تفرح كثيرا بفوز اليوم، هناك طريق طويل وصعب لتقطعه، والمسافة التي تقطعها تعتمد عليك".
مواصلة طريق الفوز
بعدها فزت ببطولة إسبانيا تحت 14 عاما، وكان أحد الانتصارات التي لا تنسى في حياتي، ليس فقط للتغلب على لاعب جيد في النهائي، وإنما لأنني سقطت على الأرض في الدور الأول وتعرضت لإصابة شديدة في إصبع البنصر من اليد اليسرى لكنني لم أنسحب ولعبت بصورة جيدة خلال كل المباريات وفزت بالبطولة.
كان علي الإمساك بالمضرب بأربعة أصابع، لم أستخدم الإصبع المكسور أو أربطه لأن ذلك كان من شأنه أن يصعب علي تسديد الكرات، الأسوأ عندما كنت أسدد الضربة الأمامية (فورهاند) لأن الخلفية (باكهاند) تعتمد بصورة أكبر على يدي اليمنى، لعبت بألم لا يتوقف لدرجة أنني نسيت أمره تقريبا، الأمر كان يتعلق بالتركيز على محو كل ما في ذهنك باستثناء التنس.
بعد الفوز بهذه البطولة عاودني الألم بقوة شديدة لدرجة أنني لم أتمكن من رفع الكأس، وساعدني فتى لرفعها في الصورة التذكارية.