قصة سودانيّة عاشت وماتت افتراضياً

قصة سودانيّة عاشت وماتت افتراضياً

21 سبتمبر 2018
صدّق كثيرون روايات سارة رحمة (أوزجي إليف كيزيل/الأناضول)
+ الخط -

أحدثت سودانية تدعى سارة رحمة حيرةً وسط رواد وسائط التواصل الاجتماعي، حينما أُعلن وفاتها بعد معاناة مع مرض اللوكيميا (سرطان الدمّ)، من دون أن يتمكّن أصدقاؤها من المشاركة في تشييع جثمانها أو تقديم واجب العزاء لأسرتها.

برزت سارة رحمة في الفضاء السيبراني منذ عام 2013 عبر صفحة خاصة في "فيسبوك"، وعرفت نفسها في صفحتها الشخصية (البروفايل) بأنها من مواليد الجزيرة (وسط السودان) 1976، وخريجة من كلية الاقتصاد عام 1999، وقدمت نفسها لأصدقائها على أنها ناشطة في المجال الإنساني، خصوصاً في قضايا اللاجئين، إلى أن تم تعيينها بالمفوضية السامية لشؤون اللاجئين في رواندا، وانتقلت في وظيفتها لمحطات إفريقية متعددة.

وخلال كتاباتها ومداخلتها في فيسبوك، لفتت رحمة الأنظار إليها بقدراتها التعبيرية والحميمية التي تتعامل بها، خصوصاً مع صديقاتها على الصفحة، فيما امتلأت تعابيرها بشحنات إنسانية فائقة الحد، وسيطرت مسحة حزن على كتاباتها، "نتاج رحيل مبكر لشريك حياتها الذي تركها وحيدة تتحدى عواصف الأيام، وتنتظر اللحظة الأبدية التي تجمعها من جديد، عبر بوابات الموت، الذي كم تمنته"، بحسب منشوراتها.
تحولت سارة رحمة إلى ملهمة لصديقاتها اللواتي لم يترددن في مشاركتها قصصهن الحياتية وأسرارهن الخاصة.
وكانت سارة تعطي اهتماماً بالفن. وفي مرة من المرات أعلنت تمويلها عملاً فنياً لفنان سوداني، من حر مالها، وقد نفذ العمل ووجد انتشاره اللامحدود.

يوماً ما، ومن دون أي مقدمات، أخطرت سارة رحمة أصدقاءها في العالم الافتراضي، بإصابتها بمرض السرطان، وأنها تتهيأ للموت "الذي سيعبُر بها إلى ضفة أخرى تجد فيها زوجها الذي تشتاقه كل ساعة". لم يتركها أصدقاؤها وحدها في اللحظات الصعبة، فقدموا لها كل الدعم النفسي والتشجيع. لكنّ الدعم المادي بقي غير أكيدٍ حتى الآن.

بعد فترة زمنية قصيرة، أعلن حساب آخر في "فيسبوك" باسم "كمالا" عن وفاة سارة رحمة، بعد معاناة مع السرطان، فسوّدت كثير من الصفحات الافتراضيّة وابتلت المنشورات بالدموع لفاجعة رحيل "الروح الملهمة".



وكعادة السودانين والسودانيات في تشارك الأحزان والآلام، قرروا استقبال جثمانها في مطار الخرطوم، بيد أنّهم ضلوا كل الطرق، واجتهدوا في اللحاق بمراسم العزاء ليتشاركوا الأسرة فقدها وفقدهم. فذهبت جهودهم أدراج الريح، ولم يعثروا في الأرض من يدلهم على موت "الملهمة" سوى تأكيدات الفنان السوداني الذي أنتجت له فيديو كليب، والذي ادعى أن سارة دفنت في أديس أبابا بناءً على وصية منها، وانتهى العزاء فيها بانتهاء مراسم الدفن لذات السبب.

هنا، بدأت الشكوك تحوم حول حقيقة سارة رحمة، وهل هي شخصية حقيقية، أم أنّها شخصية وهمية مصنوعة افتراضياً؟

هكذا، بدأت قوافل التحري والتقصي من ناشطي السوشال ميديا تراسل حتى المسؤولين في الأمم المتحدة عن موظفة ماتت قبل أيام، فكانت النتيجة الصادمة: النفي المغلظ، إذ لا أحد يعرف سارة رحمة، ولا أحد التقى بها وجهاً لوجه، أو تحدث معها عبر الهاتف، فقط وحده ذلك الفنان السوداني الذي يصرّ على فرضية ذلك الوجود.

ومع انقشاع خيوط الحبكة الدرامية أو التراجيدية، كشفت غالبية المتداخلات في الموضوع أن تواصلهن في الخاص، مع سارة، كان ينتهي بنصيحة منها، بأن يتعرفن على الفنان الذي أنتجت له الفيديو كليب، وأن يرتبطن به، بعد أن تتغزل في شخصه وفنه وكتاباته.

رغم إعلان الموت الافتراضي، ظهرت سارة رحمة في لحظة ما "أونلاين" على صفحتها في فيسبوك. ربما بُعثت من جديد فقط لتغلق حسابها، مثل ما أغلق معه حساب كمالا التي كانت هي أول من نعاها. لينتهي الموضوع بشك قوي حام على ذلك الفنان، بأنه هو نفسه، سارة رحمة. هكذا، بدأ الناشطون بمحاصرته لينتهي أمره بإغلاق هاتفه وكل وسيلة تؤدي إليه.
وبعد أيام من السجال المطول خرج الفنان باعتراف منه واعتذار للجميع. وبدأ مقربون إليه يتحدثون عن أنه مصاب بمرض نفسي. وانقسم رواد مواقع التواصل الاجتماعي بين قبول الاعتذار ورفضه. لكن صديقات سارة اللائي أودعنها كل أسرارهن، كن الأكثر غضباً، وقرر بعضهن اللجوء للمحاكم للاقتصاص من الفنان، علماً بأنه تعهد بعدم استخدام المعلومات التي حصل عليها من خلال محادثاته مع الفتيات وغيرهن مطلقاً.

القصة بكل ما فيها من إثارة وغرابة وطرافة في بعض الفصول، تعيد النظر في موضوع الصفحات الوهمية في مواقع التواصل الاجتماعي وكيفية الحذر منها. فقد يفيق الكثيرون بعد الصدمة، ويستوعبوا درس سارة رحمة.



المساهمون