قصة بوليسية: خطف عنصر مخابرات

قصة بوليسية: خطف عنصر مخابرات

23 يوليو 2020
+ الخط -

أحب الحاضرون في سهرة "الإمتاع والمؤانسة" سيرةَ الفتى ذي الأطوار الغريبة سلمون. في مطلع هذه السهرة توجهت أم الجود بالسؤال إلى الأستاذ كمال عن مصير الفكرة التي طرحها سلمون على أبيه، وهي أن يعمل في زريبة البقر التي افتتحها التاجر الإدلبي أبو عمشو في بلدتهم.

ضحكت حنان وقالت: أحلى شي إنه سلمون بيشتغل على مبدأ (الشيء بالشيء يُذكر)، كان أبوه عم يقول له بدي أخليك قاعد في البيت وإعلفك متل تور البقر، فنط سلمون وقال له (ياب، على سيرة البقر، ليش ما بتخليني إشتغل في المبقرة؟).

أبو المراديس: الفصل الأحلى في سيرة سلمون هوي إنه اشتغل في الزريبة تبع البقر بالفعل. وهاي القصة بيعرف تفاصيلها الأستاذ كمال وممكن يروي لنا اياه بطريقته الممتعة. بس أنا بعرف حادثة حلوة، إذا بتسمحوا لي إرويها إلكم.

أبو جهاد: أكيد منسمع لك. تفضل.

أبو المراديس: حكاية أبو سلمون والأرملة أم حمودة في الأساس كانت بسيطة كتير، الرجل طلبها وهيي اعتذرت، يعني نظرياً وعملياً القصة انتهت، ولازم تنحط نقطة ع السطر. لكن السافل سلمون عمل منها سيرة وسالفة، وكلما حكى مع أبوه في موضوع بينتقل فجأة لسيرة أم حمودة، وبيضيف عليها تفاصيل وبهارات ما إلها أي أساس واقعي. مثلاً، لما كان سلمون عم يقنع أبوه إنه يسمح له يشتغل في المبقرة، قال له: أنا بروح على شغلي في المبقرة، وإنته بتفضى لمصالحك الشخصية، وبتخطب أم حمودة على سنة الله ورسوله، وأخوها بيوافق، وليش ما يوافق؟ أصلاً هوي راح يلاقي عريس لأخته متلك؟ مستحيل. إنته أبو سلمون على سن الرمح.

لما وصل لمنطقة مليانة شوك على طرف الطريق، مال بالموتوسيكل ووقع هوي وأبو حمدي على سياج الشوك، وبسرعة البرق وقف، وسحب السكينة القندرجية وقال لأبو حمدي: هات مسدسك ولاك

وبيجي الطبال حباشو وبيصير بيدق ع الطبل، وبيجي الزمار أبو خليل، وبيزمّر (عَ العين موليتن وطنعش موليّا)، والرجال بيدبكوا، والنسوان بتزلغط، وجارنا أبو برهو اللي بيشتغل في المخابرات العسكرية بيقوص في الهوا. إنته لازم تدعي ربك يا ياب إنه أبو برهو إذا قوص ما يصيب حدا، لأنه من زمان صار نفس الفيلم.. بوقتها أبو حمدي المتطوع في أمن الدولة قَوّص في الهوا، ورجفت إيده، وأصاب مَرَا كانت قاعدة ع السطح وعم تزلغط، وعلى حسب ما حكوا الناس أجت الرصاصة في عينها، وعلى أثر هالشغلة الزلاغيط انقلبت صياح وولاويل، والطبال حباشو شال طبلُه وهرب، دخل على بيته وسكر الباب، قالت له مرته: أيش بك يا زوجي؟ من أيش خايف؟

قال لها: في مَرَا تصاوبت وهيي عم تزلغط، هلق بيجوا الشرطة وبياخدوني ع المخفر.

قالت له: يي! وليش ياخدوك إنته؟ إنته اللي قوصت؟

قال لها: يا غشيمة أنا ما معي فرد، بأيش بدي قوص؟ بقوص بقفاي؟ لكن إذا كمشوني بياخدوني ع المخفر، لإنهم بيعتبروني متسبب.

قالت له: ما فهمت، شلون يعني متسبب؟

قال لها: راح يقولوا لولا حباشو دق ع الطبل، وأبو خليل زمر بالزمر، ولولا الرجال دبكوا ولولا النسوان زلغطوا، ما كان أبو حمدي عنصر المخابرات دقه الحماس وقوص ونزلت الفشكة في عين المرا.

قالت له: إن شالله يقوصوه في معلاقُه لأبو حمدي، ليش ما بياخدوه هوي؟ إنت وأبو خليل الزمار أيش دخلكم؟

قال لها: كبري عقلك يا مرا، المخابرات هني اللي بياخدوا الناس، مين بيسترجي ياخدهم؟

قالت له: الله بياخد الجميع!

أبو محمد: يا أبو مرداس هلق إنته والأستاذ كما عم تلعبوا بأعصابنا، ولا حابين ندوخ وما نعرف نرجع ع البيت؟ خيو، أنا هلق بدي أعرف أيش صار بالمرا اللي انصابت. يبقى بعدين بتحكوا لنا على شغل سلمون في المبقرة.

أبو المراديس: الحقيقة يا أبو محمد، القصة تطورت، وتعقدت كتير. زوج المَرَا اللي انصابت عينها ادعى على عنصر أمن الدولة أبو حمدي، وطلب إحالة الضبط ع النيابة العامة.. ولما راح ليوكل محامي وقع بمشكلة عويصة، وهي إنه كلما شاف محامي وخبره إنه الخصم عنصر في أمن الدولة، بينسحب، وبيقول: والله أنا مو خرج هيك شغلة. هدول المخابرات ما بيخافوا من الله، إذا بتوكل ضده بدفع التمن غالي. بيصيروا كل يوم بيعتدوا على أهلي وعيالي.

بعدين أجا واحد قبضاي اسمه "أبو حبو" من أقارب المَرَا المصابة، وقال لزوجها. اتروك الموضوع علي. أنا بحله.

سأله زوج المَرَا: كيف بدك تحله؟

قال أبو حبو: عم قلك اتروك الشغلة علي.

وركب أبو حبو الموتوسيكل وراح الصبح وقف على بعد مية متر من فرع أمن الدولة. ولما شاف العنصر أبو حمدي طالع من الفرع، لحقه بالموتوسيكل، ووقف جنبه، وخلاه يشوف سكينة كندرجية في إيده، وقال له: اطلع وراي من دون شوشرة. ترى بشرفي بدبحك.

خاف أبو حمدي وطلع وراه. سحب فيه باتجاه جب الرمان، في الجهة الجنوبية من المدينة. ولما وصل لمنطقة مليانة شوك على طرف الطريق، مال بالموتوسيكل ووقع هوي وأبو حمدي على سياج الشوك، وبسرعة البرق وقف، وسحب السكينة القندرجية وقال لأبو حمدي: هات مسدسك ولاك.

أخد منه المسدس، وقال له: اسمع مني جوز كلام. أنا ما بحب اللت والعجن. إنتوا عناصر المخابرات جبناء وفشافيش، لما إنسان ضعيف أعزل بيوقع تحت إيدكم بتصيروا شجعان وبتضربوه لحتى يصير متل الخرقة. خيو، من الأخير، المرا اللي صبتها في العرس هي بنت عمي، وحقها عندك، وهادا مسدسك راح يبقى عندي، فإذا بتروح على بيتها وبتستسمح منها، وبتدفع لها تعويض مقابل عينها، برجع لك المسدس.

قال العنصر: وإذا ما رحت؟

أبو حبو القبضاي: ما راح أقلك أيش بدي أعمل. خليك تفكر فيها على مهلك. وترى لا تستغربشي.. ممكن آخد المسدس وروح لعند رئيس فرعك وقله إنك جبان، وإني أنا بسكينة وإنته بمسدس وأخدته منك. وبيجوز إقتلك، أو إقلع عينك متلما قلعت عين المرا. على كل حال أنا لسه ما قررت.

كمال (مبتسماً): أنا شايف هاي القصة صارت بوليسية.

أبو جهاد: سؤال لأبو مرداس: هلق الأهبل سلمون هوي اللي حكى كل هاي القصة؟

أبو المراديس: بصراحة يا أبو جهاد؟ نحن الكتاب لما مننقل قصة واقعية منعتبرها مادة خام، ومنصوغها على طريقتنا. وصدقني أنا لما برويها ما عاد إتذكر وين كانت القصة الأصلية ووين أنا أضفت عليها. المهم في الموضوع أبو حبو أخد حقه بإيده، وهادا الشي منطقياً مخالف للقانون.. بس المشكلة إنه سورية اللي بتحكمها عصابة الأسد ما فيها قانون. وفهمكم كفاية.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...