قصة الموسيقى... سيرة البشر

قصة الموسيقى... سيرة البشر

13 اغسطس 2018
ما هو الحد الفاصل بين الأغنية والحديث العادي؟ (Getty)
+ الخط -
كيف نشأت الموسيقى؟ هل في البداية طرق أسلافنا الأولون الأشياء ببعضها بعضا لتُحدث إيقاعًا، أم كانت أصواتهم وسيلتهم للغناء؟ ما هي الآلات التي استخدموها؟ هل حظيت الموسيقى دومًا بالأهمية في المجتمع البشري، وإن كان الأمر كذلك، فما هي الأسباب؟ هذه الأسئلة بعض مما تناولته بالبحث فرضيات حديثة نُشرت في مجلة Frotiers in Sociology. وقد جاءت الإجابات لتبيّن أن قصة الموسيقى، من نواح عدة، هي قصة البشر.
لكل إنسان فكرته الخاصة عن ماهية الموسيقى، لذلك يصعب الإجابة عن هذا السؤال. فيصفها جيرمي مونتاجو؛ من جامعة أوكسفورد وكاتب المقال بأنها "صوت بإمكانه إيصال المشاعر". ومن هذا المنطلق؛ يمكننا اعتبار همهمة الأم أو دندنتها لتهدئة صغيرها نوعًا من الموسيقى البسيطة سابق على الحديث (التكلم من أجل التواصل).
لكن أين نضع الحد الفاصل بين الموسيقى والحديث؟ إذا كنت تعتقد أن الإيقاع والوتيرة والتحكم في درجة الصوت عناصر مهمة ولا غنى عنها في الموسيقى؛ فإنها أيضاً تلعب الدور نفسه من الأهمية عندما يلقي أحدهم سونيته (أحد أهم أشكال الشعر الغنائي) أو يتحدث بعاطفة جياشة. ومن ثم، يخلص مونتاجو، إلى أن "لكل منا طريقته الخاصة ليحدد ما إذا كان ما يسمعه يندرج تحت مسمى الموسيقى أم مسمى الحديث".
إذًا متى شرع أسلافنا في صناعة الموسيقى؟ من الضروري إذا بدأ الإنسان في الغناء أن يتحكم في طبقة صوته. وبالرجوع إلى الجماجم والفكوك الأحفورية لقرود قدامى مما تناولها العلماء بالدراسة لمعرفة ما إذا كانوا قادرين على النطق والتحكم في طبقة الصوت؛ توصلوا إلى أنه منذ مليون عام مضت، كان لدى السلف المشترك للنياندرتال والإنسان تشريحًا (تركيبًا بنيويًا) صوتيًا "ليغنوا" مثلنا، لكن يستحيل معرفة حقيقة ممارستهم للغناء.



ثم يأتي دور الإيقاع كأحد أهم مكونات الموسيقى. ربما ابتكر أسلافنا الأولون موسيقى إيقاعية من خلال التصفيق بأيديهم. وقد يرجع إلى ذلك ظهور الأدوات الموسيقية البدائية، حين أدرك أحدهم أن طَرق الأحجار والعصي ببعضها لن يؤلم الأيدي بالقدر نفسه. ومن المرجح أن العديد من هذه الآلات صُنع من مواد لينة مثل الخشب أو القصب، ولذلك لم يبق لها أثر وبقيت المزامير المصنوعة من عظام أجنحة البجع والنسور التي يرجع عمرها إلى ما بين 39000 و43000 عام.
ومن ثم، فإننا نعرف أن الموسيقى قديمة، وربما صاحبتنا منذ بداية تطور البشر. لكن لماذا نشأت، ولماذا استمرت؟ تشارك الموسيقى في أنشطة عدة محتملة، منها: الرقص. وليس معروفًا ما إذا كان الراقصون الأوائل هم من ابتدعوا المصاحبة الموسيقية، أم أن الموسيقى هي التي قادتهم للتحرك بشكل إيقاعي. والترفيه؛ سبب آخر جلي للموسيقى، سواء فرديًا أو جماعيًا. كما يمكن استخدام الموسيقى بغرض التواصل، عن بعد في معظم الأحيان؛ باستخدام آلات مثل الطبول أو البوق. وتأتي الطقوس كسبب آخر للموسيقى، وواقعيًا تلجأ جميع الأديان تقريبًا لاستخدام الموسيقى في طقوسها.
ومع ذلك، قد يكون السبب الرئيسي لنشأة الموسيقى واستمرارها أنها تُقرب بين البشر. ويوضح مونتاجيو: "تعقد الموسيقى رابطة وثيقة بين الناس، كتلك التي بين الأم وصغيرها أو بين الجماعات". ويضيف: "تُبقي الموسيقى العمال سعداء عند أداء عمل مكرر أو بتعبير آخر عمل ممل، وتساعدهم على التحرك معًا، مما يزيد قوة عملهم. يربط الرقص أو الغناء معًا قبل الصيد أو الحرب المشاركين في جماعة مترابطة". ويستنتج أن: "الموسيقى بخلقها مثل هذه الترابط، لم تؤسس العائلة فقط بل المجتمع نفسه، مُقربة الأفراد ببعضهم والتي دونها لتُركوا لحياة الانزواء".

دلالات

المساهمون