قرية حطّين الفلسطينية... الشمال المنسيّ

قرية حطّين الفلسطينية... الشمال المنسيّ

27 مارس 2020
تتمتع بتربة خصبة ووفرة المياه الجوفية (Getty)
+ الخط -
تقع قرية حطّين الفلسطينية على بعد ثمانية كيلومترات شمال غرب بحيرة طبريّا في شمال فلسطين، تم تهجير سكانها البالغ عددهم حوالي 1480 نسمة من قبل المليشيات الصهيونية عام 1948 ثم دُمّرت القرية ولم يبق منها سوى مبنى المسجد المهجور، لكن المئذنة ما زالت سليمة حتى اليوم. تبلغ مساحة المسجد مع الأرض المحيطة 900 متر مربع، وله مدخل واحد يؤدي إلى باحته، ووسط القرية كانت توجد باحة كبيرة يطلق عليها السكان اسم "المراح" تنتشر على جنباتها المتاجر وتحيطها أقنية المياه التي كانت متنفسّاً لرجال القرية حيث كانوا يجلسون يتبادلون الأحاديث عندها.

في عام 1949، تم بناء مستوطنة صهيونية اسمها "كفر أربيل" على أراضي قرية حطين العربيّة وهي مستعمرة زراعية، كما تم بناء مستوطنة أخرى حملت اسم "كفر حيتيم" وعدد سكانها لا يتجاوز 50 نسمة يعملون في الزراعة ويسرقون محاصيل أرض حطين، لأنها تتمتع بتربتها الخصبة ووفرة المياه الجوفية، وتشتهر القرية بزراعة الزيتون والقمح والشعير.
تمتاز حطّين بسهلها الرحب الذي جرت فيه "معركة حطّين"؛ حيث هزم صلاح الدين الأيوبي الجيوش الصليبية، وعلى قرون السهل يقع مقام النبي شعيب الذي تم بناؤه على مراحل ويُعتقد أن فيه قبر النبي شعيب وآثار قدمه.

يتذكر التسعيني حسن عيسى (مواليد 1927) كيف كانت حياتهم في قرية حطّين. يقول: "كانت قريتنا منطقة زراعية بامتياز، وهي تقع بالقرب من بحيرة طبريّا في المنطقة الشرقية لوسط فلسطين، تقع شرقها جبال الجولان وهي تعتبر منطقة الجليل الأسفل، تبلغ مساحة قرية حطين 22 ألف دونم تشمل الأراضي المزروعة بالأشجار، وخاصة الزيتون، إضافة إلى القمح والخضار المختلفة، وتوجد معصرتا زيتون في القرية لاستخراج الزيت وبيعه إلى القرى والبلدات المجاورة".

يؤكد عيسى أن القرية غنية بالينابيع، ويبلغ عدد سكانها 1190 نسمة وتضم قرابة 150 بيتاً مبنياً من الطين والخشب: "كنّا نملك بيتين في القرية وكروم زيتون اشتريتها أنا وأخي وكان محصول الزيت يصل إلى قنطارين في الموسم، لكن غادرنا مع سكانها في حزيران 1948 بعد تدمير منازلها كافة وتشرّد السكان، فمنهم من لجأ إلى بلدات أخرى ومنهم من لجأ إلى لبنان وسورية".

يتذكّر عيسى حين كان يعمل مع والده في الزراعة التي يملكونها من مبدأ أن ابن الفلاح يعمل في أرضه، ولكنه كان يهرب ويذهب إلى الصيد لأنه كان هوايته المفضلة.

كانت في حطين مدرسة ابتدائية ضمن المسجد الذي كان يُعلّم القرآن الكريم، وعندما يختم التلميذ القرآن الكريم فكأنه حصل على الدكتوراه، إذ يقوم والده بذبح خروف ويقدم "المناسف" إلى الطلاب والأساتذة، كما كانت توجد مدرسة أخرى تابعة للحكومة البريطانية في مرج حطين وهي للكبار، ولأنها لم تكن تتسع للتلاميذ تمت الاستعانة بغرف مقام "النبي شعيب" الموجود في القرية.

يروي عيسى حكاية الأفراح في القرية: "كنت دائماً "روّيس" في الدبكة، أي الذي أقود حلقة الدبكة، وكان أخي نمر عازف ناي محترفاً، يطلبوننا دائماً للمشاركة في الأفراح، وكنا نُحيي الحفل الذي كان يقيمه دروز فلسطين في مقام "النبي شعيب" في حطين يوم 8 نيسان/ إبريل من كل عام، إذ كانوا يأتون من مناطق عدة من داخل وخارج فلسطين لزيارة المقام ويقيمون الطقوس الدينية والحفلات".

جمال عيسى، ابن نمر عيسى شقيق حسن، ما زال يحتفظ بأوراق الملكية العائدة لأبيه وعمه والتي تُثبت ملكيتهم عقارات وكروم زيتون في حطين، ينقل ما كان يخبره به والده قبل وفاته في مخيمات اللجوء في لبنان، وخاصة عندما كان يشارك في الاحتفالات والأعراس بمشاركة الشاعر الفلسطيني أبو سعيد الحطّيني، وهو من أهم شعراء الزجل الفلسطيني.
يؤكد جمال أن القرية بعد تدميرها من قبل الاحتلال الإسرائيلي لم يتبق منها إلا الحجارة، إذ قام الصهاينة باستخدام بعض هذه الأحجار في بناء المستوطنات لتظهر وكأنها قديمة، على الرغم من أن بعض أهالي حطين الموجودين داخل فلسطين حالياً يقومون بزيارة الأراضي دائماً، ومنهم من يذهب إلى القرية لتعبئة مياه الشرب من ينابيعها على الرغم من بعد المسافة، وكذلك يتم تنظيم رحلات من باقي المدن الفلسطينية لزيارة القرية والتعرف إلى تاريخها بمرافقة كبار السن الذين عاشوا في القرية ليحكوا ذكرياتهم الجميلة فيها.

دلالات

المساهمون