قرى أفغانستان من دون أطباء متخصصين

قرى أفغانستان من دون أطباء متخصصين

29 يوليو 2019
الأطباء يفضّلون مستشفيات كابول (وكيل كوهسار/ فرانس برس)
+ الخط -

تواجه أفغانستان أزمات وتحديات مختلفة في كل مناحي الحياة، لا سيّما في قطاع الصحة الذي طاولته الحرب. ولعلّ أبرز ما يواجهه هذا القطاع هو النقص في الكوادر الطبية بالإضافة إلى العقبات الأمنية والاجتماعية. وفي الآونة الأخيرة، ظنّ أفغان كثيرون أنّ الأحوال سوف تتبدّل، مع عودة عدد كبير من الأطباء إلى البلاد بعد إنهائهم دراساتهم في تخصصات مختلفة، غير أنّ الأمور لم تأتِ على قدر التوقّعات، لا سيّما في المناطق البعيدة عن المدن. ويُسجّل بالتالي شغور في مجالات طبية مختلفة بالأقاليم الأفغانية والمناطق النائية.

محمد يحيا خان من إقليم باكتيا، جنوب شرقي البلاد، يقول لـ"العربي الجديد": "قبل سنوات، كنّا نرى الشباب يسافرون إلى الخارج لمتابعة دراستهم، خصوصاً إلى الهند وباكستان حيث يدرسون الطبّ، وكنّا نتوقّع أن يعود هؤلاء إلى البلاد ويخلصونا من الحاجة إلى الانتقال إلى الخارج (الهند وباكستان كذلك) وتحمّل أعباء السفر بهدف تلقّي العلاج. لكنّ ذلك لم يحدث". يضيف أنّ "ما حصل هو خلاف ما كنّا نتطلع إليه. فهؤلاء الشباب إمّا فضّلوا البقاء في خارج البلاد حيث ظروف العيش والعمل أفضل، وإمّا اختاروا الاستقرار في كابول بذريعة أنّ الأجواء الأمنية السائدة لا تسمح لهم بالعمل في الإقليم (باكتيا) فيما يعبّرون عن خوفهم من العصابات الإجرامية التي تنفّذ عمليات الخطف في مقابل فدية".

ويحكي يحيا خان عن "طبيب أفغاني من باكتيا يدعى صفدر خان تخصّص في طبّ الأطفال في مدينة لاهور الباكستانية وكان بارعاً في مجاله. عند عودته إلى أفغانستان، راح يعمل في مركز الإقليم وقد حظي بشهرة واسعة، لكنّه تعرّض إلى عملية خطف بعد أشهر على يد أفراد تابعين لإحدى العصابات واضطر والده إلى دفع مبلغ 40 ألف دولار أميركي للعصابة التي احتجزته لمدّة أسبوعَين. وبعد الإفراج عنه، ترك المنطقة وانتقل للعيش في كابول خوفاً من تعرّضه إلى حادثة مشابهة مرّة أخرى". ويشير يحيا خان في السياق إلى أنّ "الأطباء جميعهم يخافون من حوادث مماثلة"، مضيفاً أنّ "الذين يمارسون الطب في قرى الإقليم هم ممرّضون من سكان تلك القرى، وليس أمام المواطن أيّ خيار غير تلقّي العلاج على إيديهم، على الرغم من إدراكه أنّ الحالة قد تتدهور بدلاً من التحسّن في بعض الأحيان". ويُتابع أنّ "أهل المريض يضطرون في بعض الأحيان إلى نقله إلى باكستان المجاورة أو إلى كابول عندما تتدهور حاله".




على الرغم من الجهود التي بذلتها وزارة الصحة الأفغانية لإيجاد حلول مناسبة لتلك القضية ومحاولاتها لتشجيع الأطباء على الانتقال إلى أقاليم بعيدة عن العاصمة، فإنّ النجاح لم يحالفها، إذ إنّ الأطباء لا يرغبون في الذهاب إلى تلك المناطق النائية بمعظمها. الطبيب عبد الله حفيظ المتخصص في جراحة الأعصاب من هؤلاء الذين عُرِض عليهم في أكثر من مرّة الانتقال إلى تلك المناطق في مقابل راتب مغرٍ، بالتالي كان يملك فرصاً كثيرة لجمع المال والعمل، لا سيّما في قندهار (جنوب)، لكنّه آثر العمل في كابول لقاء راتب أقلّ خوفاً على حياته. ويقول حفيظ لـ"العربي الجديد": "لا شكّ في أنّ ثمّة عملاً أكثر في تلك الأقاليم وسط حاجة الناس الملحة والمآسي التي يعيشونها، ولا شكّ في أنّنا كأبناء هذا الشعب لا نعمل فقط من أجل المال بل كذلك لخدمة مواطنينا، غير أنّ الوضع الأمني السيئ هناك وكذلك على الطريق المؤدّي إلى تلك المناطق يمثّل عائقاً كبيراً وأساسياً أمام الأطباء، فيحجم متخصصون كثر عن الخروج من كابول".

والأمر لا يتعلق بالأقاليم البعيدة وحدها، بل كذلك بتلك القريبة من العاصمة، على سبيل المثال إقليم لوجر الذي أفادت إدارة الصحة المحلية فيه بأنّ الأطباء المتخصصين يعتذرون عن قبول الوظيفة في الإقليم بسبب الوضع الأمني السيئ. ويقول في هذا الإطار رئيس الإدارة رسول غول ثمر لـ"العربي الجديد" إنّ "إدارة الصحة المحلية تعمل ليلاً نهاراً من أجل تطوير هذا القطاع، وثمّة تغيّراً كبيراً حصل في الفترة الأخيرة وتحسّناً في مجالات عدّة خاصة بالرعاية الصحية. لكنّ المعضلة الكبيرة هي أنّ الأطباء المتخصصين لا يرضون بالوظيفة في الإقليم". يضيف ثمر أنّ "ثمّة نحو 53 مستشفى ومركزاً صحياً تقدّم الخدمة للمواطنين في الإقليم، وهي في حاجة إلى أطباء متخصصين، لا سيّما في ما يتعلق بأمراض النساء والعظام والأعصاب". ويشير ثمر إلى أنّه طرح هذه القضية أمام مسؤولين في وزارة الصحة في كابول وهم وعدوه بالبحث عن حلّ لتلك المعضلة.



من جهته، يقول عضو الشورى المحلي في إقليم لوجر قريب الله سادات لـ"العربي الجديد" إنّ "الخدمات الصحية في الإقليم تعاني مشكلات كثيرة وهي ليست على المستوى المطلوب، غير أنّ الأمر الأساس يكمن في عدم توفّر الأطباء المتخصصين، بالتالي لا بدّ من إيجاد حلّ، لا سيّما أنّ نقل المرضى إلى كابول أو إلى خارج البلاد ليس أمراً في متناول الجميع".