قبل استئناف ترحيل سوريين من إسطنبول

قبل استئناف ترحيل سوريين من إسطنبول

22 اغسطس 2019
+ الخط -
قد تكون متفهمة، في ما يتعلق بموقف الشعب التركي، النزعة المتزايدة من التنمّر والانزعاج من الوجود السوري على أراضيه، لا سيما مع تطاول العهد بهم، ومخاوف تيارات سياسية تركية من تحوله إلى وجود دائم ومستمر، ويمكن ملاحظة تزايد في تغيّر المزاج الشعبي والسياسي في تركيا.
يمثّل وصول اللاجئين السوريين التحوّل الديمغرافي الأهم في تركيا المعاصرة، منذ "التبادل السكاني" مع اليونان في عشرينيات القرن الماضي. ووفقاً للأرقام التركية الرسمية، بقي نحو مائة ألف منهم فقط في المخيمات؛ في حين استقرت الغالبية العظمى في مدن وبلدات مختلطةً مع الشريحة الأوسع من السكان. ويتركّز معظمهم (3.2 ملايين أو 88%) في 14 ولاية من أصل 81 ولاية تركية، وخصوصا محافظات غازي عنتاب وهاتاي وكيليس وماردين وشانلي أورفا الحدودية مع سورية؛ والولايات الجنوبية أضنة ومرسين وكهرمان مرعش؛ وولايات أنقرة وبورصة وإسطنبول وإزمير وقيصري وقونية الأكبر من الناحيتين الديمغرافية والاقتصادية. وتضمّ إسطنبول العدد الأكبر (547,479) أو نحو 4% من عدد سكان الولاية عام 2018. ومع ذلك، يعد التأثير السكاني على الولايات الجنوبية الأصغر حجماً في البلاد أكثر أهمية، فالسوريون يشكّلون نحو 27% من عدد السكان في هاتاي، و22% في غازي عنتاب، و21% في أورفة، ونسبة ضخمة في كيليس (81%).
يتمتع السوريون بالخدمات العامة الأساسية، على غرار الرعاية الصحية والتعليم، إلا أن وضعهم المؤقت لا يسمح لهم بالعمل بشكل قانوني في تركيا، إلا من باب سياسة "غض الطرف" التي سمحت لهم بالعمل من دون الحصول على إذن عمل خاص بالأجانب، كما جرت العادة، ولكن ذلك يخضع أيضاً لمزاجية تطبيق القانون وموظفيه الذين قد يجدون الغطاء القانوني للشد والجذب، في ما يخص عمل السوريين.
امتنعت أنقرة عن اتخاذ خطواتٍ قد تساعد السوريين للحصول على الإقامة الدائمة، فلغة
 "الضيوف" لا تزال سائدة في الخطاب الرسمي التركي، للتعبير عن الوجود السوري، ولكن الحكومة التركية، في المقابل، تشجع السوريين على التقدّم بطلب للحصول على تصاريح إقامة والعمل، على الرغم من المتطلبات والقيود البيروقراطية، ما يجعل ذلك صعباً للغاية. وحتى الآن، تمّ منح ما يقرب من مائتي ألف لاجئ فقط تصاريح الجنسية أو الإقامة أو العمل، التي تتيح لهم التوظيف بشكل قانوني.
وفقاً لدراسة أجراها معهد بروكينغز ونشرها الشهر الماضي (يوليو/ تموز)، لا يزال ما بين خمسمائة ألف ومليون سوري يشغلون وظائف غير رسمية، على الرغم من ظروف العمل السيئة، ومعظمهم يعمل في قطاعات النسيج والخدمات والبناء والتعليم. المشكلة أن أتراكا كثيرين يعتقدون أن السوريين هم السبب وراء ارتفاع البطالة وانخفاض الأجور في القطاعات كافة. حيث بلغت نسبة البطالة 14% خلال مارس/آذار، مقارنة بـ9% عام 2011. وبعبارة أخرى، تضاعف عدد الأتراك العاطلين من العمل تقريباً إلى 4.5 ملايين شخص، منذ بدأت الحكومة تستقبل اللاجئين السوريين، كما يزعم أنصار هذا التوجه من الأتراك.
اقتصادياً، أدّى الارتفاع الحاد في الأسعار إلى زيادة ملحوظة في تكلفة المعيشة للمواطنين متوسطي الدخل. واستقر التضخّم دون 20% بقليل خلال مارس/آذار، بعد أن وصل إلى مستوى قياسي بلغ 25% العام الماضي، ولم تعوّض زيادة الأجور عن ارتفاع الأسعار. ووفقاً لتقرير صادر عن موقع "المونيتور"، يدّعي بعض الأتراك أن السوريين يحصلون على مزايا اقتصادية غير عادلة، إذ يمكنهم أن يفتحوا محلاتٍ غير مرخصة، وأنهم لا يخضعون للمتطلبات الضريبية المفروضة على المواطنين.
المعضلة الأهم انتشار مزيد من الشائعات عن الوجود السوري، ومرورها بموجات تجييش عديدة، حتى تصل إلى شرائح الشعب التركي "العاطفي" بطبيعته، وتقف وراء ذلك جهات متعدّدة تختلف توجهاتها وغاياتها، ولكن ما يجمع بينها زيادة القلاقل والبلبلة على المستوى الاجتماعي في تركيا، ولعل موجات اليمين المتطرّف في أوروبا تستثمر أيضاً في هذا الملف، وإن كانت أدواته "يسارية" بحكم انتماء المعارضة التركية إلى ذلك التيار، فالمطلوب تصحيح المفاهيم المغلوطة بشأن الوجود السوري في تركيا أولاً، وتالياً محاولة تصحيح حالة "العشوائية" و"الاعتباطية" في وجودهم القانوني على الأراضي التركية، لا سيما أن استئناف حملة ترحيل السوريين من إسطنبول قد اقتربت، وربما نعود إلى المربع الأول من التجاذب السياسي بخصوص الوجود السوري، ما قد ينذر بحقبة جديدة من الاضطراب الاجتماعي.
30DD3B49-1243-4DD5-A2EC-3AD5B4848EC4
30DD3B49-1243-4DD5-A2EC-3AD5B4848EC4
هشام منور
هشام منور