قانون مكافحة الإرهاب... إرهابي

قانون مكافحة الإرهاب... إرهابي

18 اغسطس 2015
القانون يُكمّم الأفواه (Getty)
+ الخط -
"مكافحة الإرهاب.. تأميم للمجال العام"، هكذا وصفت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، قانون مكافحة الإرهاب الذي صدر رسمياً الأحد ونُشر في الجريدة الرسمية أمس الاثنين، لبدء العمل به منذ الأمس، دون اكتراث للانتقادات التي طالت القانون من الجماعة الصحافية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقيّة.

والقانون، الذي أعدّته لجان قضائيّة في الحكومة ووزارة العدل ومجلس الدولة منذ أكثر من شهر، يُقدّم تعريفاً فضفاضاً للعمل الإرهابي، وينصّ على عقوبات تسبّبت بجدل واسع وانتقادات من منظمات حقوقيّة بسبب عدم مراعاتها لحقوق الإنسان كافة.

لكنّ الجدل الأكبر كان بسبب العقوبات التي يفرضها القانون على الصحافيين، حيث نصّ سابقاً على حبس الصحافيين الذين ينشرون بيانات مخالفة للبيانات الرسمية عن العمليات اﻹرهابية، وهو ما استبدل ﻻحقاً بغرامة ضخمة تصل إلى نصف مليون جنيه (الدولار يساوي 8 جنيهات تقريباً). وينطبق قانون الإرهاب على من ينشر "أخباراً أو بيانات غير حقيقية" عن الأعمال الإرهابية، أو أخباراً مخالفة للبيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الدفاع، أي أنّه يُحدّد الوزارة مصدراً حصرياً للمعلومات.

ورغم بياناتها السابقة الرافضة، إلا أنّ نقابة الصحافيين لم تصدر أي بيان إدانةٍ أو تصعيد بعد إقرار قانون الإرهاب، كذلك المجلس الأعلى للصحافة. ولم يتفاعل الطرفان ضد هذه المادة التي تجعل بيانات العمليات الإرهابية، ومكافحتها الصادرة من وزارة الدفاع، المرجع الأساسي للصحف ووسائل الإعلام حول العمليات الإرهابية؛ ما سينعكس بوقف العمل فعلياً في مكاتب الصحف بشمال وجنوب سيناء؛ والتي اعتادت أن تسبق بيانات الجيش بشأن العمليات الإرهابية. كما سينعكس ذلك بمنع نشر أي معلومات مخالفة للمعلومات الرسمية في الصحف المصرية، أما المواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي فستكون أيضاً خاضعة لهذه المادة، بحيث يمكن للنيابة العامة في حالة مخالفتها بيانات الجيش أن تأمر بحجبها.

ويسمح القانون من جملة ما يمنحه للسلطتين التنفيذية والقضائية من إمكانات للعصف بالحريات، بأن تصدر النيابة العامة سراً قرارات بمراقبة وسائل الاتصال الشخصية والبريد العادي والإلكتروني لفترات محددة، على أن تنفذ الشرطة هذه القرارات، بالإضافة إلى إمكانية إصدار رئيس الجمهورية قرارات بتطبيق بنود حالة الطوارئ دون إعلانها رسمياً، مثل إخلاء مناطق بأكملها أو عزلها أو مراقبة وسائل الاتصال فيها أو تحديد فترات لحظر التجوال، وذلك كله دون حاجة لانعقاد البرلمان، وإذا كان البرلمان منعقداً فإن الرئيس مضطر لدعوته خلال 7 أيام لمناقشة هذه الإجراءات التي اتخذها بنفسه دون العودة لأي جهة أخرى.

وكانت نقابة الصحافيين المصرية أعلنت في يوليو/تموز الماضي رفضها المطلق لمشروع القانون، فأصدرت بياناً رسمياً في 5 يوليو/تموز الماضي، أكدت فيه "رفضها المطلق للقيود الجديدة التي جاء مشروع قانون مكافحة الإرهاب ليضعها على الصحافة وحريتها، في مخالفة واضحة لنصوص الدستور المصري الحالي. حيث جاء مشروع القانون، الذي أعلنت عنه الحكومة منذ يومين، ليعيد من جديد القيود التي ناضلت الجماعة الصحافية لإلغائها عبر عقود من تاريخها، وتم تتويج هذا النضال في نصوص دستور 2014".

اقرأ أيضاً: مصر: "الصحافي الأمنجي"... الإفراز الطبيعي للمرحلة

وشددت النقابة على أن مشروع القانون حفل بالعديد من المواد التي تخالف بشكل صريح المادة (71) من الدستور، وما نصت عليه من "حظر توقيع أي عقــوبة سـالبة للحرية في الجـرائم التي تُرتكب بطريق النشـر أو العلانية، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو بالتمييز بين المواطنين أو بالطعن في أعراض الأفراد، فيحدد عقوباتها القانون"، خصوصاً في مواده 26، 27، 29، 33، 37.

وطالبت نقابة الصحافيين المصريين حينها، المسؤولين في الدولة، وكل من يهمه الأمر، بإعادة قراءة نص المادة (33) من مشروع قانون مكافحة الإرهاب جيداً، وهي المادة التي تنص على أن "يُعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة في هذا الشأن". وفسّرت النقابة موقفها من هذه المادة بالقول: "هذه المادة الخطيرة تخالف النص الدستوري، وتعيد من جديد عقوبة الحبس، بل وتصادر حق الصحافي في الحصول على المعلومات من مصادرها المختلفة وتحصرها في جهة واحدة، الأمرالذي يُمثل ارتداداً واضحاً على حرية الرأي والنشر التعبير، حيث لم تكتف المادة المذكورة بإعادة الحبس في قضايا النشر بالمخالفة للدستور، بل أنها جعلت من السلطة التنفيذية رقيباً على الصحافة وحريتها، ومعياراً للحقيقة، وفتحت الباب لمصادرة حرية الصحافة، وإهدار كافة الضمانات التي كفلها القانون للصحافي".

وأكدت النقابة أن هذا القانون جاء ليُغلق الباب أمام كل المحاولات التي تسعى إلى أن تكون الصحافة معبّرةً عن المجتمع بكل طوائفه، ويفتح الباب أمام عودة الرقابة على الصحافة والإعلام عبر نصوص قانونية تضرب حرية الصحافة في مقتل، وهو ما ظهر في العديد من مواد ذلك القانون، حيث حفلت المواد 26، 27، 29، 37 بالعديد من العبارات المطاطة التي تتعدى الهدف الرئيسي للقانون وهو مواجهة الإرهاب، إلى مصادرة حرية الصحافة، وفتح الباب واسعاً عبر تفسيرات مطاطة للنيل منها، ومصادرتها من خلال السلطة التنفيذية، بالمخالفة لنص المادة (70) من الدستور.

وليست نقابة الصحافيين وحدها التي رفضت القانون، بل إن 17 منظمة حقوقية من منظمات المجتمع المدني المصرية، وقّعت على بيان مشترك، أعلنت خلاله تضامنها مع نقابة الصحافيين في رفض القانون، واعتبرت المنظمات القانون "معززاً لدوافع التطرف". وقالت المنظمات في بيانها المشترك في يوليو/تموز الماضي: "وفقاً للصياغات المطاطية والفضفاضة في مشروع القانون، فإن مشروع القانون لا يفرق – حين تطبيقه – بين أنشطة التنظيمات الإرهابية، والأنشطة التي تقوم بها كيانات سياسية وحقوقية سلمية ونقابات وصحف ودور النشر ومواقع إخبارية".

اقرأ أيضاً: الصحافيون اليمنيون: أفواهنا مكممة

وأكدت المنظمات أنها "تعي جيداً خطر التنظيمات المتطرفة والعنيفة، وتستوعب خطورة ما تقوم به من جرائم وترفضها رفضاً قطعياً، إلا أن مواجهة تلك الجرائم بتعديلات تشريعية هو تضليل للرأي العام للأسباب الحقيقية للإرهاب والتي ليس من بينها غياب التشريعات اللازمة لمواجهته"، وأن "طرح مثل هذا القانون يبعث على المزيد من القلق بشأن تكريس استمرار المواجهات الفاشلة للإرهاب عن طريق الحلول الأمنية فقط أو تمرير التشريعات القمعية التي تعصف بدولة القانون. مثل هذا المشروع يجعلنا نخشى تواصل الانهيار المزري لركائز دولة القانون عن طريق التضحية بالدستور والقواعد القانونية المستقرة والنظام القضائي المصري العريق".

كما اعتبر المجلس القومي لحقوق الإنسان أن القانون يعد انتهاكاً للدستور الذي أقره الشعب، وطالب في بيان له، أن يكون القانون "مؤقتاً بمدى زمني يرتبط بأسباب صدوره، وأن تتم صياغته صياغة محكمة تتفق والمعايير التي استقرت عليها المحكمة الدستورية العليا فى مشروعية النص الجنائي".

من جهتها، فنّدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان في ورقة العورات الدستورية التي ينطوي عليها القانون، واعتبرته "انتهاكاً فاضحاً لعديد من الحقوق الأساسية الواردة بالدستور والمبادئ القانونية الدولية والمواثيق الدولية التي تُلزم مصر باعتبارها قوانين داخلية". وقالت الشبكة العربية أمس إنه رغم إلغاء عقوبة الحبس في المادة 33 من المشروع، واستبدالها بالغرامة في المادة 35 من القانون، إلا أن قيمة الغرامة الباهظة والتي تتراوح بين 200 ألف جنيه إلى 500 ألف جنيه، تفرغ هدف إلغاء حبس الصحافيين من مضمونه، فالمنطقي أن الصحافي لن يتمكن من دفع هذا المبلغ ما يؤدي إلى حبسه.

واعتبرت الشبكة العربية إصدار قانون مكافحة الإرهاب دون اعتبار للانتقادات التي طالته، "مواصلة لإساءة استخدام السلطة التنفيذية لسلطة التشريع، التي من المفترض اللجوء إليها في حدود الضرورة القصوى لحين انتخاب مجلس النواب". وأكدت أن القوانين يجب ألا تصدر من منطلقات انتقامية، واعتبرت أن القانون من شأنه التضييق الخانق على المجال العام، داعيةً لمواصلة الضغط لإسقاط هذا القانون الذي من شأنه تأميم الصحافة وجعلها مجرد ناقل للبيانات الحكومية، ومن شأنه أيضاً فرض حالة طوارئ دائمة تعصف بالحقوق والحريات.


اقرأ أيضاً: الصحافيون جواسيس في أميركا

المساهمون