لا بدّ من تنظيم قطاع الطفولة في البلاد(فرانس برس)
ما زال الرأي العام في تونس يتذكر جيدا حادثة وفاة الرضيع يزيد بن تقية (7 أشهر) في إحدى الحضانات في أغسطس/ آب الماضي. فقد تبيّن أنّ يزيد توفي نتيجة إهمال الحاضنة التي لم تكن تحمل الأطفال خلال إعطائهم غذائهم من الحليب، بل كانت تثبت القنينة بكرسي الرضيع، ما تسبب في اختناق يزيد بالحليب، من دون أن تفطن له الحاضنة أو ابنتاها. والثلاث يشكلن فريق العمل الكامل في الحضانة.
حادثة يزيد وغيرها أدت إلى مراجعة العديد من القوانين الخاصة بالطفولة في تونس، خصوصاً في ما يتعلق بالحضانات التي سماها البعض "حضانات الموت". فالأخيرة يعمل الكثير منها من دون ترخيص، ومن دون أيّ رقابة. وهو ما دفع وزارة المرأة والأسرة والطفولة التونسية إلى تشديد رقابتها منذ تلك الحادثة، مع عملها اليوم على إعداد قانون جديد لتنظيم القطاع.
حرقة
لم يكن محمود بن تقيّة وزوجته ضحى يعتقدان للحظة أنّ يزيد سيفارقهما، ويترك في قلبهما حرقة ولوعة تتجدد كلما مرا أمام حضانة.
ما يزيد من مصابهما أكثر أنّ طفلهما الوحيد الذي جاء إلى الدنيا نتيجة عدة أشهر من العلاج، وتعقيدات في الإنجاب، قد مات نتيجة للإهمال.
اعتاد محمود أن يفتح غرفة يزيد يومياً. يرمقها للحظات ويحتضن ثيابه. يتأمل الصور فيها، ويتذكر أجمل اللحظات التي أمضاها مع طفله.
يقول محمود لـ"العربي الجديد" إنّه وزوجته يشعران بكآبة كبيرة ووحدة منذ رحيل طفلهما. ويختصر الحديث بالقول: "لقد تغيّرت حياتنا كثيرا".
من جهتها، تؤكد ضحى بصوتها الحزين الخافت أنّ جرحها لن يشفيه سوى إصدار قرارات صارمة في هذا المجال، وأنّ عزاءها الوحيد هو تنظيم قطاع حضانات الأطفال. كما تؤكد أنّها ستستمر في المطالبة بتغيير القوانين الخاصة بحضانات الأطفال في تونس.
يؤكد والدا الرضيع أنّ الإهمال هو السبب الرئيس في وفاة ابنهما. ويعتبران أنّ المسألة لا تتعلق بمجرد حادثة عابرة بل بغياب المسؤولية.
وتضيف ضحى: "من حق كلّ تونسي أن يترك فلذة كبده في إحدى الحضانات، ويغادر وهو مطمئن البال بأنّ طفله في أمان، وأنه لن يتعرض إلى تعنيف أو إهمال يؤدي إلى موته". وتتابع: "الوضع الحالي غير مقبول. ولا ينبغي ترك هذا القطاع الأساسي مهمشاً، وغائباً عن الرقابة، ومفتوحاً أمام كلّ من هبّ ودبّ".
مراجعة
من جهتها، تؤكد وزيرة المرأة والأسرة والطفولة سميرة مرعي لـ"العربي الجديد" أنّ العمل جار حالياً على مراجعة كراس الشروط الخاصة بفتح حضانات الأطفال في تونس، وإعداد قانون متكامل لتنظيم قطاع الطفولة. وتضيف أنّ القانون سيتضمن منهاجاً موحداً تلتزم بتطبيقه كلّ الحضانات في المستقبل. وكذلك سيعمل على إعادة فتح الحضانات الحكومية التابعة للبلديات، والتي تشير مرعي إلى أنّ حضورها تقلص في السنوات الأخيرة لصالح القطاع الخاص.
وفي هذا الإطار، تشير الوزيرة إلى أنّ وزارتها ستعمل في مرحلة أولى، تتألف من 100 يوم، على إعادة 10 حضانات في عدة محافظات.
من ناحية الرقابة، تؤكد أنّ الوقت الحالي يشهد متابعة ومراقبة كلّ حضانات الأطفال. كما تتشدد الوزارة في منح التراخيص الخاصة بفتح الحضانات، خصوصاً تلك التي تعنى بالأطفال الرضّع.
في المقابل، تعتبر مرعي أنّ إغلاق الحضانات العشوائية لا يعتبر الحل الأمثل. وتشير إلى أنّه كلّما أغلقت حضانة في مكان، فتحت مجدداً في مكان آخر. وهو ما يفسر بقاء عدد الحضانات العشوائية كما هو، أي ما يصل إلى 800 حضانة. كما تؤكد أنّ من الواجب التفكير في حلول عملية جذرية.
وفي الإطار نفسه، يقول الملحق الصحافي في الوزارة ماهر سويلم لـ"العربي الجديد": "وضعنا قائمة بحضانات الأطفال القانونية، المعترف بها رسمياً على موقع الوزارة لكي يطلع عليها أولياء الأمور. ونعتبر أن هذا الإجراء سيجعلهم يتفادون الحضانات غير القانونية". كما يؤكد أنّ الوزارة كثفت من حملاتها الرقابية والتوعوية الخاصة بالحضانات.
ويضيف أنّ الوزارة تعقد حالياً اجتماعات على مستوى اللجان لتطوير المنظومة التي تعنى بالأطفال. كما تحرص على تفعيل الهيئات المعنية بالطفولة. ويشير سويلم إلى أنّ الوزارة ستعمل على اعتماد ترقيم قانوني للحضانات المرخصة في وقت لاحق.