قانون الدفاع الأردني: أداة للتغوّل على الحقوق والحريات

قانون الدفاع الأردني: أداة للتغوّل على الحقوق والحريات

12 يونيو 2020
كان تفشي كورونا مبرراً للعمل بقانون الدفاع (Getty)
+ الخط -


لم يعد الاستمرار بتطبيق قانون الدفاع في الأردن يحظى برضى الكثير من المواطنين، لا سيما بعد أوامر الدفاع التي مست رواتب العاملين، ومنحت بعض المنشآت والمؤسسات المبررات للاستغناء عن الأيدي العاملة، في وقت شهدت فيه الفترة الماضية المزيد من التضييق على الحريات في ظل الإجراءات والقرارات الحكومية لمواجهة فيروس كورونا.
وخلال الأسبوع الأخير، اعتقلت السلطات الأردنية المعارض والنائب السابق أحمد عويدي العبادي، إضافة إلى المعارض صبري العضايل، وذلك بعدما اعتقلت في إبريل/ نيسان الماضي، النائب السابق سليم البطاينة، وعدداً من الحراكيين الآخرين.

ووجّه العاهل الأردني عبد الله الثاني، في 17 مارس/ آذار الماضي، رسالة إلى رئيس الوزراء عمر الرزاز، أشار فيها إلى الظرف الاستثنائي الذي يمر به الأردن، وأعلن "الموافقة على تنسيب مجلس الوزراء، إعلان العمل بقانون الدفاع رقم 13 لسنة 1992، وذلك حرصاً منا على ضمان استمرارية الجهود المبذولة، وتذليل العقبات التي تظهر خلال مواجهة هذه الآفة". وطلب الملك من الحكومة أن "يكون تطبيق قانون الدفاع والأوامر الصادرة بمقتضاه، في أضيق نطاق ممكن، وبما لا يمس حقوق الأردنيين السياسية والمدنية، ويحافظ عليها، ويحمي الحريات العامة والحق في التعبير، التي كفلها الدستور وفي إطار القوانين العادية النافذة، وكذلك ضمان احترام الملكيات الخاصة، سواء أكانت عقاراً أم أموالاً منقولة وغير منقولة".

والمخوّل بتطبيق قانون الدفاع هو رئيس الوزراء ومن دون أدنى تقيد بأحكام القوانين العادية المعمول بها. كما أن رئيس الوزراء يمارس كافة صلاحياته بموجب أوامر خطية، وله حق تفويض هذه الصلاحيات كلها و/أو بعضها لمن يراه أهلاً للقيام بها. وحددت المادة 4 من قانون الدفاع الصلاحيات التي يستطيع رئيس الوزراء ممارستها بما يتوافق مع الهدف من تفعيل قانون الدفاع، مثل وضع قيود على حرية الأشخاص في الاجتماع والانتقال والإقامة وإلقاء القبض وتفتيش الأشخاص والأماكن والمركبات، وإخلاء بعض المناطق أو عزلها، وفرض منع التجول فيها، وتحديد مواعيد فتح المحال العامة وإغلاقها كلها أو بعضها.
وقال وزير الدولة لشؤون الإعلام أمجد العضايلة، خلال مؤتمر صحافي، الإثنين الماضي، إن العمل بقانون الدفاع لم يكن ترفاً، بل لإصدار قرارات وإجراءات بشكل فوري لا يمكن إصدارها في ظل القوانين المعمول بها حالياً، مشيراً إلى أن إنهاء العمل بالقانون وعودة الحياة إلى طبيعتها مرتبط بانتهاء الوباء على المستوى المحلي والإقليمي.

في المقابل، دعا الأمين العام لحزب "جبهة العمل الإسلامي" مراد العضايلة، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى وقف العمل بقانون الدفاع، مؤكداً أن ما قامت به الحكومة من تعطيل العمل في عدد من القوانين وفي مقدمتها ما يتعلق بالعمل والعمال، تسبّب بأذى بالغ لعشرات الآلاف من العمال والموظفين، وستكون له آثار اجتماعية واقتصادية سلبية، مضيفاً "قانون الدفاع أصبح سلاحاً مؤذياً بيد الحكومة".

ورأى العضايلة أن الحاجة للعمل بقانون الدفاع انتهت في ظل العودة إلى الحياة الطبيعية في الأردن واستقرار الحالة الصحية، معتبراً أن قانون الصحة العامة كفيل باستمرار الإجراءات اللازمة في مواجهة هذا الوباء، مشيراً إلى التصريحات الملكية حول ضرورة العمل بقانون الدفاع في أضيق نطاق وهو ما لم تلتزم به الحكومة التي توسعت في تعطيل القوانين، وفق قوله. وأضاف أن الحكومة تغوّلت خلال الفترة الماضية على الحقوق الشخصية والحريات، وزادت في الاعتقالات في ظل الظروف الحالية وتطبيق قانون الدفاع، متابعاً أن ما قامت به الحكومة من ممارسات في الشق الاقتصادي واللوجستي تضمّن أيضاً أخطاء واضحة وجسيمة.


من جهته، قال الكاتب الصحافي الأردني محمد سويدان، لـ"العربي الجديد"، إن قانون الدفاع أثّر على الحريات والحياة السياسية بشكل أو بآخر، لافتاً إلى أن اعتقال مدير قناة "رؤيا" فارس الصايغ، ومقدّم أحد البرامج، مؤشر إلى بعض الجوانب السياسية السلبية للقانون المتعلق بحرية التعبير، إضافة إلى غياب مجلس النواب، لكنه اعتبر أن تأثير القانون غير مباشر لأن مجلس النواب ضعيف والأحزاب عاجزة والإعلام مدجن، وفق قوله.
وشدد سويدان على أنه لم يبقَ أي داعٍ لاستمرار تطبيق قانون الدفاع، لكنه أضاف أن الحكومة لا تريد وقف العمل بالقانون، فتصريحات رئيس الوزراء عمر الرزاز مبهمة، وهي لذلك تدافع عن قرارها باللجوء إلى هذا القانون وإصدار العديد من الأوامر الدفاعية التي كانت لبعضها الكثير من السلبيات، متابعاً "المفروض بعد هذه التجربة في مكافحة أزمة كورونا أن تكون الحكومة قادرة على التعامل مع الأمور والتطورات كافة من دون اللجوء إلى القانون وأوامره الدفاعية".

ورأى سويدان أن "تطبيق قانون الدفاع كان مقبولاً خلال الفترة العصيبة عندما كان انتشار الوباء في أوجه، والانعكاس الاقتصادي مدمر، وكانت الحاجة ماسة لقرارات سريعة للحد من انتشار الفيروس، لكن حتى مع تطبيق قانون الدفاع بقيت الحكومة عاجزة عن التعامل مع الحالات المصابة بالفيروس والقادمة من الخارج عبر الحدود"، مضيفاً "يعيش الكثير من العاملين والموظفين منذ بدء تطبيق قانون الدفاع في قلق وخشية على مصيرهم، فقد كانت آثاره مدمرة وفَقَد الكثير من العاملين وظائفهم، والبعض خسروا نسبة كبيرة من رواتبهم تصل إلى 50 في المائة، فأوامر الدفاع لم تساهم بعلاج المشاكل الاقتصادية، بل على العكس انخفضت القدرة الشرائية للمواطنين وتراجع الطلب الاستهلاكي حتى على السلع الأساسية، إلى جانب إغفال حقيقة أن العديد من فئات المجتمع لديها قروض والتزامات عديدة من رسوم وفواتير وغرامات وأعباء ضريبية يجب أن تفي بها".

في المقابل، أوضح أستاذ القانون في جامعة العلوم الإسلامية في الأردن حمدي قبيلات، في حديث مع "العربي الجديد"، أن وقف العمل بقانون الدفاع يحتاج إلى قرار من مجلس الوزراء وصدور مرسوم ملكي بذلك، لكنه اعتبر أن القانون جاء لظرف موضوعي وهو انتشار فيروس كورونا وهو أمر لم ينتهِ بعد، واستمرار تطبيقه أو التوقف عن العمل به يجب أن يكون مرتبطاً بتوصيات لجنة الأوبئة التي تقيّم الوضع الصحي في البلاد.

ولفت قبيلات إلى تصريحات وزير الإعلام أمجد العضايلة، التي أشار فيها إلى إمكانية العودة إلى القيود المشددة في حال تسجيل 10 إصابات محلية على مدى أسبوع، ما يجعل الاستمرار في تطبيق قانون الدفاع في هذه الحالة ضرورة، وفق قبيلات، لكنه أكد ضرورة تعديل أوامر الدفاع التي تبيّن أنها ذات جوانب سلبية، خصوصاً على العمال.
وتابع: "للقانون جوانب إيجابية، ومنها منح الحكومة صلاحيات أوسع لإدارة المشهد والسيطرة على انتشار المرض، ومعالجة التداعيات الاقتصادية، وربما منع الاجتماعات يأتي في إطار الجانب الإيجابي لمنع انتشار المرض، لكن يجب ألا يُستغل القانون للتضييق على الحريات، لا سيما حرية التعبير وممارسة العمل السياسي"، موضحاً أن تطبيق مثل هذا القانون ليس مقتصراً على الأردن، فالعديد من الدول لديها قوانين مشابهة، وإن اختلفت التسميات، أو حتى مدة تطبيق القانون التي حددت في بعض البلدان بشهر وليس بشكل مفتوح كما في الأردن.