قاعات مُغلقة تنتظر فيلماً يطرق الباب

قاعات مُغلقة تنتظر فيلماً يطرق الباب

07 مايو 2020
الصالات الصينية فتحت أبوابها لكن النتائج كانت مُخيّبة (Getty)
+ الخط -
بعد التحكّم في الموجة الأولى من كورونا، شرعت بعض القاعات السينمائية الصينية، في الجهة الشرقية من البلد، بفتح أبوابها في الأسبوع الثالث من مارس/ آذار 2020. لكنّ النتائج كانت مُخيّبة للغاية. لم تتمكن قاعة "زونغ يانغ غولدن بالم" في مدينة "أورومكي" من جذب أيّ متفرّج طيلة يوم الإثنين. لم تتجاوز مبيعات التذاكر في مجموع القاعات، المفتوحة يوم الأربعاء من الأسبوع نفسه، 1070 دولاراً أميركياً، بحسب "هوليوود ريبورتر".

إذن، يُنتَظَر أنْ تعيش صناعة السينما في معظم بلدان العالم أحد أصعب الأعوام التي مرّت عليها في العقود الأخيرة. ينبغي القول إنّ العلامات الدالّة على أنّ عام 2020 سيكون غير رحيمٍ بالسينما لاحت منذ مطلع فبراير/ شباط الماضي، مع اضطرار صحافيي "دفاتر السينما" إلى الاستقالة، بعد إشارات غير مطمئنة بخصوص حرية فريق التحرير واستقلالية أعضائه، من قِبل مجموعة مستثمرين اشتروا رأس مال المجلة العريقة، التي تمرّ في أول أزمة لها كهذه منذ إنشائها قبل سبعة عقود.
المؤكّد أنّ أزمة الثقة في التجمّعات البشرية، التي سيُخلّفها وباء كورونا، ستُلقي بظلالها على السينما فترةً طويلة، حتّى بعد انقضاء المحنة، ورفع الحظر عن التجوّل، وعودة ارتياد المرافق العامة. المراقبون يتوقّعون أنْ تظلّ تبعات الأزمة جاثمة على هذا القطاع أشهراً بعد إعادة فتح القاعات، التي تعاني أصلاً تداعيات الإغلاق على توازناتها المالية. البعض تحدّث عن حلّ العودة إلى "سينما الهواء الطلق" المفتوحة للسيارات، بعد الإقبال الذي شهدته عروضٌ كهذه في ألمانيا قبل نحو شهر. لكنْ، يبقى هذا خياراً مدفوعاً بالنوستالجيا أكثر من النجاعة الاقتصادية، بسبب عدم مناسبة هذه الصيغة لأجواء النهار، وعدم اعتياد الشباب، الذين يُعتَبرون اليوم الفئة الأهمّ من الجمهور، عليها.
في المغرب، استناداً إلى وثائق "المركز السينمائي المغربي"، المتعلّقة بالأعوام الأخيرة، يُنتظَر أنْ تُسجِّل القاعات السينمائية المغربية خسائر تتجاوز 20 مليون درهم (حوالي مليوني دولار أميركي) خلال مارس/ آذار وإبريل/ نيسان ومايو/ أيار 2020. خسائر يصعب أنْ يعوّضها القطاع في بلدٍ يعاني أصلاً قلّة الإقبال على القاعات، وهشاشة منظومة الاستغلال بسبب اختلالات هيكلية، خصوصاً أنْ مارس/ آذار وإبريل/ نيسان هما الشهران اللذان يسجّلان عادة أعلى إقبال جماهيري في المغرب.
تسبّبت الأزمة الحالية في إلغاء خروج أفلامٍ مغربية عدّة إلى القاعات، كـ"السيد المجهول" لعلاء الدين الجم، وفيلمي الرعب "عاشوراء" لطلال السلهامي و"بويا عمر.. الحلقة 16" لجيروم كوهين أوليفار، اللذين كان خروجهما سيُشكّل امتحاناً مهمّاً لقدرة جذب هذا النوع السينمائي النادر في الممارسة السينمائية المغربية والعربية.
هذا يطرح سؤالاً آخر، يرتبط ببرمجة القاعات بعد انقشاع الأزمة، خصوصاً أنّ توقّف دورة الإنتاج وتصوير الأفلام كلّها يطرح مشكلة توفّر أفلامٍ جديدة يمكن أن تبرمجها القاعات عند إعادة فتح أبوابها، بعد انتهاء خروج الأفلام المتوفّرة اليوم للتوزيع. فهل ستلجأ هذه القاعات إلى إعادة برمجة الأفلام المنتجة في الأعوام الأخيرة، ما يؤدّي ربما إلى تفاقم هجران القاعات الموبوءة أصلاً بأزمة عدم الثقة في التجمّعات البشرية؟ يكمن أحد الحلول في اللجوء إلى أفلامٍ من موروث السينما، خصوصاً تلك التي أعيد ترميمها في الأعوام الأخيرة. لكنّ هذا الحلّ نخبويٌ وغير مُجدٍ في بلدان لا تتوفر قاعدتها الجماهيرية على ثقافة سينمائية صلبة، علماً أنّ النصيب الأكبر من الإقبال، الذي تشهده القاعات حتى في بلدانٍ ذات تقاليد عريقة في الـ"سينفيليا"، تسجّله أفلام من فئة الـ"بلاكباستر" (الإنتاجات الضخمة)، خصوصاً أفلام الحركة والأبطال الخارقين. أفلام أعلنت الاستوديوهات الكبيرة كلّها تقريباً عن تأجيل إطلاقها إلى الشهرين الأخيرين من العام الجاري، كأقرب تقدير، بسبب عدم قدرتها على المغامرة بميزانيات إنتاجها الباهظة، في ظلّ سياق اقتصادي غير مطمئن، كحال "لا وقت للموت" لكاري جوجي فوكوناغا (إنتاج "أم. جي. أم.")، الحلقة الجديدة من سلسلة جيمس بوند، و"الأرملة السوداء" لكايت شورتلاند (استوديو "مارفل")، مع سكارليت جوهانسن في دور المرأة الخارقة، الذي اشتهرت به في سلسلة "أفلام المنتقمين". أما شركة "سوني"، فذهبت أبعد من الجميع، مؤجّلة إطلاق أفلامها كلّها، المقرّر في الصيف المقبل، إلى وقتٍ لاحق.

المؤكّد أنّ للسينما قدرة غير عادية على الانبعاث من رمادها، والخروج من الأزمات والتهديدات بشكلٍ أقوى. لكن، هناك سؤال: بأيّ شكلٍ وبأيّ ثمنٍ ستخرج السينما من أزمة كورونا؟ يُمكن للمرء أن يتخوّف من تنازلات على مستوى تراتبية الوسائط، الإشكالية المطروحة أصلاً وبقوّة قبل بدء الأزمة. والخروج الحتمي والمتنامي للأفلام السينمائية مباشرةً على منصّات العروض المنزلية، وانتشار مبادرات تقاسم روابط مشاهدة الأفلام على وسائل التواصل الاجتماعي للتخفيف من آثار الحجر الصحي، هل سيؤدّي هذا إلى التطبيع مع تهميش طقس ارتياد قاعات السينما والفرجة الجماعية بشكل عام، بما في ذلك دور المهرجانات السينمائية؟
أثار مشروع قانون عاجل للتعامل مع تداعيات كورونا ضجّةً كبيرة في فرنسا، بسبب بندٍ يسمح لـ"المركز الوطني للسينما والصورة المتحرّكة" بتخفيض الآجال الاعتيادية المعمول بها لتوفّر الأفلام المقرّر إطلاقها بعد 14 مارس/ آذار المنصرم في وسائل التوزيع الأخرى (منصّات المُشاهدة المنزلية، القنوات التلفزيونية... إلخ.)، إذْ اعتبر ريشار باتري، رئيس "الفيدرالية الوطنية للقاعات السينمائية الفرنسية"، في رسالة احتجاج بعثها إلى فرانك ريستِر، وزير الثقافة الفرنسي، أنّ "هذا الإجراء يمثّل استفزازاً وإذلالاً إضافياً للعاملين جميعهم في السينما، الذين التزموا حتّى النهاية الحفاظ على الروابط الاجتماعية في قلب مدننا، حين سيكتشفون بألمٍ، مع انتشار إجراءات الإغلاق على نطاق واسع، أنّ إعادة برمجة الأفلام، التي تعهّدوا بحملها بأيّ ثمن في إطار الأزمة العميقة التي يعيشها بلدنا، ستُضيف إلى مشروع قانون أساسي تدبيراً غير مدروسٍ، يُشكّل خطأ جوهرياً".
يبقى التحدّي الاقتصادي الأبرز للقطاع: البطالة التي ضربت معظم المشتغلين فيه، وصعوبة تسديد أجورهم في المرحلة الراهنة، منذ الإعداد والإنتاج إلى موظّفي القاعات، مروراً بالتقنيين المرتبطين بموسمية أعمال التصوير المتوقّفة. في الهند، أعلن الممثل النجم سلمان خان عن تكفّله بدفع رواتب 25 ألف عامل وفني في بوليوود، وطالب زملاءه بالاقتداء به، وبالتزام دفع رواتب العمّال والفنيين المشتغلين على الأفلام التي توقّفت أعمال تصويرها، على الأقلّ. هذا يُحيل إلى أحد الحلول الممكنة للخروج من الأزمة، المتمثّل بالتكافل بين مكوّنات المهنة، لتلافي انهيار حلقاتها الأضعف، وفي مقدمتهم العمّال الموسميون.

المساهمون