قاتل جديد يوزّع الموت بعدالة

قاتل جديد يوزّع الموت بعدالة

02 أكتوبر 2015
يلهوان من دون توقّع العواقب المحتملة (وسام العقيلي/فرانس برس)
+ الخط -

تغيّرت نغمة المواطنين العراقيين اليوم من الحديث عن إرهاب "داعش" أو المليشيات، وورقة الإصلاح التي أطلقها رئيس الوزراء حيدر العبادي للقضاء على الفساد وتوفير الوظائف والتقليل من الفقر أو حتى الهجرة من البلاد، إذ سيطرت الكوليرا عليهم وراحوا يتحدّثون عن مخاوفهم منها وسبل القضاء عليها.
ومع اتساع رقعة المرض ليشمل تسع محافظات عراقية شمال البلاد وغربها وجنوبها ووسطها، بات القلق يخيّم على السكان وزاد الإقبال على شراء مرشحات (فلاتر المياه) ومادتَي الكلور والشب واستبدال خزانات المياه في المنازل. ووصلت بآخرين المبالغة إلى الامتناع عن الأكل والشرب في المطاعم أو حتى لدى الجيران. ويؤكد عراقيون التقت بهم "العربي الجديد" أنهم باتوا يواجهون اليوم قاتلاً جديداً بدأ بتوزيع الموت بعدالة في ما بينهم، من دون أن يفرّق بين عراقي وآخر.

وفقاً لتوقعات أطباء عراقيين، فإنه من المتوقع ارتفاع عدد الضحايا حتى منتصف الشهر المقبل إلى 3 آلاف إصابة، بخاصة مع تسجيل محافظات جنوبية فقيرة ومكتظة بالسكان إصابات اكتشفت في مراحل متأخرة.
سالم م. (32 عاماً) من أبو غريب أحد المصابين بالكوليرا، يرقد في مستشفى ببغداد تحت عناية مركزة. هو أدخل مع ثمانية من أفراد عائلته إلى المستشفى. وتعدّ حالة سالم الأقل خطراً بينهم، إذ دخل أربعة منهم في غيبوبة جراء المرض. يقول سالم بصوت متعب من خلف حاجز واق: "نجوت من تفجير انتحاري، ونجا أهلي من قصف جوي في معارك الجيش مع داعش، لكننا أصبنا جميعاً بالكوليرا.. وكأنه من لم يمت بالنار يموت بالكوليرا".
يؤكد سالم أنه لم يسمع بالكوليرا من قبل، مضيفاً: "يقول البعض إن محطات مياه الشرب في المدينة ملوّثة، وإنها متروكة بدون تعقيم. كذلك فإن شهوداً أكدوا سقوط حمير وقطط نافقة في الأحواض الكبيرة لأنها مكشوفة. ونحن كنا نشرب منها. ويقول آخرون إن المرض وصل بسبب انخفاض نهر الفرات وقلّة المياه العذبة. لا ندري. ما نعرفه أننا قد نموت".

من جهته، يقول عبد الله جليل لـ "العربي الجديد" إن "الأصحّاء في المدينة باتوا لا يستخدمون مياه الحكومة الموزّعة عبر المضخّات، ويعتمدون على المياه المعبأة المخصصة للبيع، وهذا كافٍ لتحميل الحكومة مسؤولية ما يحصل اليوم".
وتركّزت أحاديث المواطنين والسياسيين حول الكوليرا، وتحوّلت بعض التصريحات إلى نكات. وقد صرّح أحد قياديي حزب الله العراقي الشيخ صادق الموسوي بأن "الكوليرا مؤامرة من إسرائيل، ألقته على العراق لإشغال الحكومة عن محاربة داعش"، في حين ذهب آخرون إلى أن مصدره "داعش" وقد تعمّد إلقاءه على مناطق الحكومة لتدمير الجيش والمليشيات وتسهيل مهمة احتلال العاصمة.

ويؤكد مختصون أن "سبب ظهور الكوليرا هو انعدام تعقيم المياه والفساد في المحطات، إذ ثبت بيع مسؤولين حصص الكلور المخصّص للمحطات في السوق السوداء بدلاً من استخدامه لتعقيم المياه، وراحوا يعتمدون فقط على مصافٍ دقيقة لتنقية مياه دجلة والفرات من الشوائب، ومن ثم ضخّها بالأنابيب". تجدر الإشارة إلى أن المستشفيات العراقية تعاني من تخلّف واضح في إجراءات احتواء المرض، فضلاً عن افتقارها لجرعات العلاج الكافية.
أما المختص في مجال التحليلات المخبرية في بغداد عمر عبد القادر فيقول لـ "العربي الجديد"، إن "من بين الأسباب التي أدّت إلى ظهور المرض في قضاء أبو غريب هو مشروع ماء أبو غريب الذي تعرّض قبل نحو عام إلى أعمال إرهابية، ما أدّى إلى توقفه عن العمل بعد حدوث أضرار، بحسب ما تؤكد أمانة بغداد. بالتالي، ما سبّب ظهور المرض هو المياه غير الصالحة للشرب، والأنابيب الكثيرة التي تعرّضت إلى التكسير بفعل التقادم والمعارك، بالإضافة إلى التجاوزات على الشبكة الرئيسية. كل ذلك سبّب تلوثاً في المياه الواصلة إلى المنازل.

كذلك، ثمّة أحياء تصلها مياه رائحتها كريهة وتحمل الطين. وينتظر المواطنون ساعات لحين انقطاع الطين ووصول المياه التي تكون غير صالحة للاستهلاك البشري".
يتابع أن "قلة نسبة الكلور والشب المستخدم في المياه هو سبب آخر، لأن قلة التعقيم تساعد على ظهور الأمراض بخاصة في فصل الصيف، لأن هذه الأمراض الانتقالية تنشط في هذا الفصل وتنتقل سريعاً. وتحتاج وزارة الصحة إلى لقاحات سريعة لتلافي حدوث كارثة في العراق". ويشير أيضاً إلى "استخدام مياه المجاري، وذلك بعدما حفر المواطنون عدداً من الآبار للحصول على المياه مع انخفاض منسوب المياه في مشروع ماء أبو غريب إلى أقل من 35 في المائة. هم توقعوا أنها صالحة للشرب، لكن تبيّن أنها مياه مجارٍ".

اقرأ أيضاً: الكوليرا.. هكذا نتجنّبها

المساهمون