في مسألة رامي مخلوف

في مسألة رامي مخلوف

04 مايو 2020

رامي مخلوف .. أي نهاية وأي سيناريو؟

+ الخط -
.. إذن، هي رائحة عطن وعفونة كثيرين في قصر الأسرة الحاكمة في دمشق، لم يُحْجر عليها جيدا، ففاض شيءٌ منها إلى خارجه. هذا هو موجز حكاية رامي مخلوف، الموصولة بداهةً بحكاية سورية كلها، منذ استحكم في القصر المذكور حافظ الأسد قبل خمسين عاما، مرورا بموت نجله الأكبر، ولي العهد السابق، في حادث سير جاء بالشرعية التي صار يحوزها بشار الأسد منذ عشرين عاما، وصولا إلى ما يقال عن عمل زوجة الأخير، أسماء الأخرس، على تأهيل ابنها حافظ الأسد ليرث البلد ومن عليها رئيسا، وقد بلغ الثامنة عشرة عاما. هذا المسار، أو الحال الذي ينطق به، واحدٌ من عناوين كثيرة كانت وراء انتفاضة السوريين وهبّتهم شتاء 2011. كانوا يحتجون على فسادٍ واستبدادٍ مريعيْن، ولكنهم أيضا كانوا يردّون عنهم إهانةً جارحةً لآدميتهم، لمّا تم تنصيب بشار عليهم رئيسا في الدقائق التسع إياها التي تم فيها تزبيط القصة المعلومة، دستوريا وبرلمانيا و.. إلخ. كانت تلك الواقعة، في الوعي العام، مسيئة إلى حد بالغ، وربما جعلت الشعب السوري يسأل مقادير التاريخ عن سبب "معاقبته" بها، وما إذا كان حقا لا يستحق دولة وسلطةً مثل اللتيْن في غير بلد عربي، ولو غير ديمقراطي. ما جرى في تلك الغضون كان فادحا، وما زال تأثيره ثقيلا. وظل السوريون، منذ اليوم الأول للرئيس الراهن، عديم الثقافة، على قناعةٍ مؤكّدةٍ بأن إصلاح هذا النظام مستحيل، وإن انتقالا ديمقراطيا بوجوده، بأي كيفيةٍ، أمرٌ من الخيال، غير أنهم، في الوقت نفسه، كانوا يعرفون أن الخلاص منه، بثورةٍ أو بغيرها، مكلفٌ جدا. 
جاءت مستجدّات ما بعد 2011، وما تدحرجت إليه سورية من تعاسات، ومن نكبات غير مسبوقة في تاريخ العرب الحديث، تدلّ على صحة حدس السوريين هذا. وعندما يُنصتون، في هذه الأيام، إلى الحوت الأهم في بنيان دولة الفساد القائمة في بلدهم، رامي مخلوف، يقول ما يقول، عن "آخرين" وعن "جماعة السيد الرئيس"، وعن "ظلم وقهر" يتعرّض إليهما، بل وأيضا عن "ظرف صعب" يمرّ به البلد، عندما ينصتون إلى هذا كله وغيره، فإن سؤالا، على الأرجح، سيغشى كثيرين منهم، عمّا إذا كان بلدهم منذورا ليكون شاهدا في دروس النقد الأدبي على مساحات الواقع التي تتحدّى مخيّلات أهل الفن والأدب. كأن على الشياطين الذين توزّعوا في مسرحيات شكسبير أن يتواضعوا، فالملعب الذي يزاول فيه السّراق والملاعين في بلاط أسرة الأسد وحواشيه لا مطرح فيه لهم، ورامي مخلوف لا يفعل الآن غير أن يؤكد هذا. لا يذكّر هذا الرجل بتلك العفونة في الدنمارك التي قال عنها الضابط مارسيلوس، في حرس قصر الملك هاملت الذي اغتاله أخوه، عندما يشمّ رائحة مؤامرةٍ لقتل نجل الملك، الأمير هاملت، وإنما بعفونةٍ وعطنٍ فادحيْن في قصر السيد الرئيس الذي يستنجد به ابن خاله رامي مخلوف، لأنه مظلوم، لأن "ناساً" يطالبون الشركة التي هي من "جنى عمره" بضرائب مستحقّة، وتاليا لأن الأجهزة تعتقل موظفين في الشركة التي يملكها، للضغط عليه، من أجل أن يدفع. يتحدّث ابن الخال عن دستور وقانون، وعن الله العلي العظيم الذي سيشكو إليه إذا لم ينصفه ابن عمّته..
كل الحق مع السوريين في الذي شرّقوا فيه وغرّبوا، تعليقا على مشهدي رامي مخلوف، وراءه حطب (متى يحترق؟)، وجالسا يحكي. استدعوا سيرة رفعت الأسد، الملياردير، المجرم الموصوف، وتذكّروا المُنتحرَيْن محمود الزعبي وغازي كنعان، وأيضا فرار عبد الحليم خدّام الذي زينت له أوهامه أنه أوْلى بوراثة كرسي حافظ الأسد، ثم خرج مع ما سرق. وهؤلاء تفاصيلُ عابرةٌ في خمسة عقود من التراجيديا السورية. والآن، أي مصيرٍ ستنتهي إليه شرائط رامي مخلوف، بعد حلقتين منها (شائقتين في موسم دراما رمضان)؟ لا داعي للضرب في الرمل، وتوقع السيناريو الذي ستمضي فيه سردية رامي مخلوف، فالشياطين في ملاعب أسرة الأسد، وقد استجدّ حديثٌ عن جناحي أسماء الأخرس وماهر الأسد (!)، أقدر من غيرهم على ابتكار ما ليس في وسع القرائح أن تتوقعه. واستجدّ حديثٌ آخر عن "سنّةٍ" يريدون الانتفاع من كعكةٍ يحوزها "علويون"، قبل أن تهبّ رياحٌ روسيةٌ سموم، على غير ما تشتهي أشرعة أسماء الأخرس وبعلِها.
لقد بنى حافظ الأسد في سورية نظاما عائليا، وليس طائفيا إلا بالمعنى النفعي. بنى عمرانا من الفساد والاستبداد الأسوديْن. في وسع هذا النظام، بالعمران المشيّد جيدا هذا، أن يحمي نفسَه، ولو إلى وقت، من طوارئ عارضة، مثل التي تتمثّل في "مظلومية" رامي مخلوف التي نتفرّج عليها، وإنْ كانت في الذي يفعله هذا الرجل نذرٌ مقلقةٌ.
358705DE-EDC9-4CED-A9C8-050C13BD6EE1
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.