في فهم الثورات المضادة

في فهم الثورات المضادة

30 ديسمبر 2014
+ الخط -
الثورة، كمشروع رئيسي للتغيير، يجب أن تحمل معها تصورات جديدة، لإعادة تصميم المشهدين: السياسي والاجتماعي، وإلا فإنها ستقع فريسة لأخطائها المحتملة، لتفشل فشلاً مزدوجاً، في عملية التخلص من صورة الماضي، وبناء الحاضر، بسقف يوافق حجم الطموحات المطروحة، وفي المدة المطلوبة. وفي مشهد ثوري كئيب، تولد الثورة المضادة، أو بالأحرى تنطلق نحو الوجود علنا، بعدما كانت مجرد همساتٍ، لا يعبأ بها أحد في صخب الأحلام الثورية.
تستلم الثورة المضادة الأركان الباقية من العهود السابقة، وترممها، بعد أن تردم القيم الثورية، إما بأعاصير عدم الاستقرار، أو بالاستفادة القصوى من انعدام الصبر لدى الشعوب الباحثة عن نتائج سريعة بأقل تكاليف. فهي، على عكس الثورة، ليست مشروعاً بحد ذاته، يفترض اندفاعاً وتخطيطاً محكماً، بل هي لحظة اجتماع مصالح تضم قيماً، وكيانات، وأشخاصاً، وبقايا المنظومات المتضررة من التغيير، التي تُكثف من ردة الفعل، وتجعلهم في موقف القادرين على منح أجوبة سريعة عن الحاجات الظرفية، وتأمين المخاوف السائدة من حول الثورة. فيقفز هؤلاء إلى المشهد مجدداً، بإرادة شعبوية، تستخدم المنهج نفسه الذي تسبب في إسقاطهم سابقاً.
الثورة المضادة عمرها قصير، فإما أن تكون حصان طروادة لعودة الاستبداد المألوف، أو أنها ستبقى مجرد حلقة ضمن مسلسل طويل من الكر والفر، في معرض تحولات بطيئة، تؤدي إلى الانتقال من مرحلة إلى أخرى في العمر السياسي للمجتمعات، وبدون أن تعود عجلة الزمن إلى الوراء.
ولا شك، أن المحدد الرئيسي، ومكمن القلق في العملية كلها، هو التوجهات الشعبية. فكلما زادت القناعة بجدوى الديمقراطية والتطوير السياسي، قلّ عنفوان الثورة المضادة، وأصبحت، مجرد تيار سياسي من بقية التيارات في ساحة البناء الديمقراطي. إذ قد ينال هذا التيار ثقة الشعب، لكنه لن يجرؤ على المساس بالمكاسب المحققة. وبالتالي، تصبح المنافسة بين البرامج على عامل الإقناع والأولويات.
من هذا المنطلق، من الواجب على المتصدين لمشروع التغيير في المنطقة، أن يدركوا جيداً أن الطريقة المثلى لقطع الطريق أمام الثورات المضادة المحتملة، لا تتجسد في ربط الأفعال ونظرية المؤامرة، فهذا لن يولد لاحقاً سوى البكاء على الأطلال.
المثنّى - القسم الثقافي
المثنّى - القسم الثقافي
سرحان أبو وائل
مدون مغربي.
سرحان أبو وائل