في فشل قمة جونغ أون وترامب

في فشل قمة جونغ أون وترامب

02 مارس 2019
+ الخط -
لم تسفر القمة الثانية بين الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، والزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، في العاصمة الفيتنامية هانوي، عن نتائج ملموسة، وفشلت في التوصل إلى ما كانا يطمحان إليه، إذ انتهت بشكل مفاجئ، من دون أي اتفاق، معلن على الأقل، بل من دون بيان مشترك أيضاً. ولم يجد ترامب سوى القول إنه ليس مستعجلاً لعقد اتفاق مع الرئيس الكوري الشمالي، بحجة أنه يطمح إلى "التوصل إلى اتفاق جيد"، لكنه لم يشر إلى مطالب الطرف الأميركي، المتمحورة حول نزع أسلحة كوريا الشمالية النووية، والتي قابلها الطرف الكوري الشمالي بالمطالبة برفع كل العقوبات الاقتصادية الأميركية المفروضة عليها، لذلك برّر ترامب الفشل بعدم استعداد بلاده للقيام بهذه الخطوة. وبالتالي، فإن تساؤلات عديدة تطرح بشأن الغايات والأهداف الحقيقية من عقد هذه القمة، وتطاول توقيتها وجدوى عقدها بالأساس.
إذاً، انفضت القمة الثانية بين جونغ إن وترامب من دون أي محصول، بعد أن قطعا آلاف الكيلومترات من أجل عقدها في هانوي، ولكن من دون أن يجرؤ أحدهما على القول، هذه المرّة، إنه تمكّن من خلالها تسجيل نقاط على الآخر، مثلما فعل الرئيس ترامب، بعد انتهاء القمة الأولى بينهما، فقد وظّف نقاطا، اعتبرها مكاسب لبلاده، في قضايا داخلية أميركية، إذ إن فشل عملية التفاوض، الهادفة إلى تجريد كوريا الشمالية من سلاحها النووي، سيمنعه من الحديث عن أي نقاطٍ سجلها في قمة هانوي.
وإذا كانت القمة الأولى التي عقدها الرئيسان في سنغافورة قد تمكّنت من إزالة جليدٍ كثيفٍ 
وسجل قاتم في علاقات البلدين، وشعر كلا الرجلين كأنهما حققا مكاسبهما المطلوبة منها، كونها أعلنت فك العزلة الدولية عن كوريا الشمالية وزعيمها، فيما حصل الطرف الأميركي مقابل ذلك على التزام منه بـ"نزع كامل للأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية"، الأمر الذي اعتبره ترامب سيعفي الولايات المتحدة من تكاليف مالية باهظة، تصرفها الخزانة الأميركية على الحشود العسكرية والمناورات في كوريا الجنوبية وسواها، لكن القمة الثانية فشلت في استنساخ نموذج مقارب للنموذج الليبي الذي أسفر عن تخلي العقيد الليبي معمر القذافي في ديسمبر/ كانون الأول 2003 عن برنامج بلاده لتطوير أسلحة نووية، وقام بتفكيك البرنامج النووي الليبي، ونقل ما تبقى منها إلى الولايات المتحدة عام 2004.
وكان بعض الساسة الأميركيين قد قاموا بحرب استباقية، قبيل عقد قمة هانوي، وراحوا يتحدّثون عن إمكانية تجريد بيونغ يانغ من أسلحتها النووية بالتفاوض، وهي حملة كانت، في حقيقة الأمر، مجرد تضخيم إعلامي للاستهلاك الأميركي الداخلي، إذ أظهر فشل القمة جلياً أن ظروف التوصل إلى تسوية، تقضي بتجريد بيونغ يانغ من أسلحتها النووية ما زالت بعيدة المنال، وبعيدة عن الواقع تماماً.
ويبدو أن كلا الرجلين كانا بحاجةٍ إلى عقد قمة هانوي لاعتباراتٍ داخلية، حيث يواجه ترامب صعوباتٍ وأزمات داخلية عديدة، وبالتالي، ليس مصادفةً أن يجري عقد القمة في اليوم نفسه، الذي كان سيقدم فيه محاميه الشخصي السابق، مايكل كوهن، معلومات عنه شخصياً أمام لجنة الرقابة والإشراف في مجلس النواب الأميركي، إضافة إلى أن المحقق الخاص، روبرت مولر، الذي يتولى التحقيق في اتهامات التدخلات الروسية في الانتخابات الرئاسية الأميركية، كان سيقدّم تقريره في الوقت، لكنه اضطر إلى تأجيل موعده، كي لا يؤثر على أجواء القمة.
ولا تقف الصعوبات التي يواجهها الرئيس ترامب عند هذا الحدّ، بل تمتد إلى قيودٍ بدأ يفرضها 
الكونغرس على دوره في السياسات الداخلية الأميركية، وفي السياسة الخارجية أيضاً، وبات جلياً أن دور ترامب في الأخيرة بدأ بالتراجع لصالح الكونغرس، حيث تراجع عن قرار الانسحاب الفوري والكامل من سورية، فضلاً عن أنه يواجه تصويتاً مرتقباً في مجلسي النواب والشيوخ ضد حالة الطوارئ التي أعلنها، على خلفية رفض تمويل بناء جدار على طول الحدود الجنوبية مع المكسيك، إلى جانب مواجهته صعوبات داخلية أخرى.
في المقابل، يعي الرئيس الكوري الشمالي الصعوبات الداخلية، التي يعانيها الرئيس الأميركي، لذلك تمسّك بمطالبة ترامب برفع كامل العقوبات الاقتصادية المفروضة على بلاده، إضافة إلى أنه قام بحملة ديبلوماسية واسعة لفكّ العزلة عن بلاده، إذ حاول تطبيع علاقات بلاده مع كوريا الجنوبية، حيث عقد مع نظيره الكوري الجنوبي، مون جاي، عدة قمم، كما عقد عدة قمم مع الرئيس الصيني، شي جين بينغ، فضلاً عن عقده قمتين مع ترامب، الأمر الذي يضاف إلى سجل تحرّكاته الحثيثة التي أفضت إلى رفع الصين وروسيا عقوبات على بلاده، ولا يزال يأمل في أن ترفع العقوبات الأميركية، بما يعني تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، وتغيير وجهة العلاقات الأميركية الكورية الشمالية، ونقلها من مرحلة العداء إلى مرحلة التطبيع، بما يفضي إلى تغيير الصورة الشيطانية والشريرة لكوريا الشمالية، ودخولها النادي الدولي، والسماح برفع كل العقوبات الأممية المفروضة عليها، وتدفق الاستثمارات الأميركية والأوروبية وسواها إليها، وهو أمرٌ سيفضي، بلا شك، إلى رفع سوية الحياة المعيشية المزرية لسكان كوريا الشمالية.
5BB650EA-E08F-4F79-8739-D0B95F96F3E1
عمر كوش

كاتب وباحث سوري، من مؤلفاته "أقلمة المفاهيم: تحولات المفهوم في ارتحاله"، "الامبراطورية الجديدة: تغاير المفاهيم واختلاف الحقوق".