في عيد ميلاده الـ35: أنيلكا.. مسيرة التألق والجدل والإخفاق

16 مارس 2014
+ الخط -

تصادف إعلان عبد السلام بلال أنيلكا عن نهاية مشواره مع نادي ويست بروميتش ألبيون مع إطفاء اللاعب الفرنسي شمعته الخامسة والثلاثين، يوم الجمعة الفائت، وفي هذه السن المتقدمة يكون نجم الديكة السابق قد أنهى الحلقة الثانية عشرة من دراما كروية امتزجت بالنجاحات والخيبات، لكن ليس هناك من يشكك في قيمته الفنية ودخوله موسوعة أساطير اللعبة الشعبية من الباب الكبير.
ويستحق أنيلكا لقب ابن بطوطة الخارطة الكروية، فقد دافع عن ألوان أحد عشر فريقا في ست دوريات عالمية بين القارتين الأوروبية والاسيوية، وفي كواليس كل رحلة جديدة أرقام وأحلام ، وخفايا وآلام.
صحيفة "ليكيب" الفرنسية تناولت بالتحليل مسيرة ابن جزيرة المارتينيك الكاريبية منذ بزوغ شمسه في عاصمة النور باريس مع فريقها بياسجي إلى أفولها من غرب انكلترا هذه الأيام مع فسخ التعاقد مع ويست بروميتش البيون.

لم تكن البداية كما حلم بها أنيلكا، وقد تكون تلك الصعوبات قد ساهمت في تحويل المسيرة من الاندثار إلى عالم الشهرة والأموال، ففي الموسم الأول عام ستة وتسعين اكتفى اللاعب بخوض مباراتين مع باريس سان جرمان وانتظر الموسم الثاني حتى يسجل الهدف الأول والوحيد.
ويبدو أن عدم إيمان المدرب الفرنسي، لويس فرنانديز، بقدراته قد عجل بعبوره بحر المانش والاتجاه إلى الدوري الإنكليزي لعله يجد في مواطنه ارسين فينغر شخصية الأب الحنون.

نفحات النجاح


وجد أنيلكا بعض التجاهل من قبل فينغر، ربان سفينة المدفعجية في بداية الأمر، حيث لم يشركه إلا في أربع مواجهات بين فبراير/ شباط ومايو/ أيار سنة 1997على الرغم من قناعته بالإمكانيات الفنية للمهاجم اليافع.
وفي الموسم الذي يليه، بدأ الخير يعم على أنيلكا حيث هز الشباك في ست مناسبات في ست وعشرين مباراة، لكن النقلة النوعية في المستوى والأداء تحققت في الموسم الذي يليه بإحرازه سبعة عشر هدفا في خمس وثلاثين مواجهة، كما اهتدى، في ثلاث مرات، إلى طريق الشباك مع منتخب "الديوك".
هذا النجاح دفع إدارة العملاق الإسباني ريال مدريد إلى رصد حوالى ثلاثة وثلاثين مليون ونصف مليون يورو سنة 1999 لجلب اللاعب اليافع في صفقة شهدت ضجة كبيرة لكنها لم تعط ثمارها، فقد اكتفى بمعانقة الشباك في مناسبتين خلال تسع عشرة مباراة لعبها في الدوري الإسباني، وأحرز مثلهما في دوري أبطال أوروبا.
وشهدت التجربة الملكية استبعادا لأنيلكا من الفريق لمدة خمسة وأربعين يوما من قبل المدرب المخضرم، ديل بوسكي، وأطل من بعده الرئيس المدريدي ليقر بمعاناة نجمه الجديد من مشاكل نفسية وعدم قدرته على التأقلم مع الأجواء في شبه الجزيرة الإيبيرية ليسرع الطرفان إلى طي الصفحة ويعود بلال إلى الديار الفرنسية لعله يسترجع توازنه المفقود.

عاد انيلكا الى فريقه الاول، بياسجي، مقابل اثنين وثلاثين مليون يورو في صفقة لمدة سبع سنوات ظلت حديث الإعلام الفرنسي لفترة طويلة، لكن يبدو أن الخطأ الكبير الذي وقع فيه فريقه الأم هو مخطط الانتداب طويل الأمد حيث لم يستمر بقاء أنيلكا لأكثر من ثمانية عشر شهرا تمكن خلالها من إحراز ستة عشر هدفا فقط، لتكون خيبة أمل جديدة في تاريخ اللاعب وتتم إعارته إلى ليفربول الإنكليزي.

متحف الأنفيلد

لم تتجاوز الغلة مع ليفربول خمسة أهداف، رغم أن كل العوامل كانت متوفرة لنجاح أنيلكا حيث يترأس العارضة الفنية للحمر، جيرارد هولييه، الذي سبق له تدريب الشقي الفرنسي، لكنه أعلن صراحة في مايو/ أيار 2002 عن عدم قدرته على الحفاظ عليه في قلعة الأنفيلد بسبب مطالبة باريس سان جرمان بحوالي تسعة وعشرين مليون يورو للتفريط في خدماته نهائيا.
وعاد أنيلكا إلى باريس سان جرمان من دون ان يحقق ما يلفت النظر، مما جعله اسما غير مرغوب فيه في حديقة المنتخب الفرنسي في ذلك الوقت.

واصل مؤشر أنيلكا النزول في البورصة لينخفض سعره إلى عشرين مليون يورو في عملية بيعه إلى مانشستر سيتي، الذي أهدى كذلك أليون توريه من أجل عيون المشاكس، ويبدو أن الصفقة التي جرت في بداية موسم 2002/ 2003 كانت مفيدة للطرفين، ففي أول سنة تمكن اللاعب من إحراز خمسة عشر هدفا، وفي العام الذي يليه بلغ العداد اثنين وعشرين هدفا، ولأنه الرحالة كان لا بد من نهاية المشوار في الموسم الثالث بعد تعرض الفريق الانكليزي إلى صعوبات مادية.
وفي فترة المان سيتي يبقى أبرز حدث في حياة أنيلكا هو اعتناقه الدين الإسلامي في العام ألفين وأربعة خلال زيارته إلى الإمارات العربية المتحدة.

شمس النجاح


من أقصى غرب القارة العجوز طار أنيلكا إلى شرقها ليخوض تجربة جديدة عنوانها فنربهتشه، الذي سجل معه ستة عشر هدفا في جميع المسابقات وقاده إلى التتويج بلقب الدوري التركي الممتاز في موسم 2005/ 2006، رغم إزاحته إلى يمين الملعب من قبل المدرب الألماني، كريستوف داوم، الذي لم يرض وقتها إلا بالبرازيلي مرت نوبري في مركز رأس الحربة.
حماسة الملاعب التركية بعثت روحا جديدة في اللاعب الذي استرجع مستواه ليجبر المدير الفني للمنتخب الفرنسي، ريمون دومنيك، على استدعائه لتعزيز الديكة، لكنه في اللحظات الأخيرة التي سبقت مونديال ألمانيا فضَّل عليه زميله سيدني غوفو.

بعدها تداولت وسائل الإعلام الأوروبية أسماء أندية عديدة ترغب في ضم المهاجم الفرنسي إلى صفوفها في صيف 2006، لكنه في الأخير اختار العودة إلى أجواء البريمييرليغ والمحطة الجديدة كانت في الوسط الغربي للجزيرة البريطانية وقطارها بولتون واندررز مقابل اثني عشر مليون يورو والمدة أربع سنوات.
وشكل أنيلكا مع السنغالي حاجي ضيوف ثنائي الرعب في الفريق، وتمكن من تسجيل أحد عشر هدفا في موسمه الأول، وفي نصف الموسم الثاني سجل عشرة أهداف في ثماني عشرة مباراة، ليصبح رقما صعبا في الدوري الانكليزي ومسيلا للعاب العديد من الأندية.

أعلى درجات التألق


أصابت أنيلكا حالة من الهيستيريا الهجومية مع انتقاله إلى تشيلسي في يناير/كانون الثاني، فقد سجل تسعة عشر هدفا في الدوري المحلي وهدفين في دوري أبطال أوروبا، لكن بعدها بخمسة أشهر فقط عاش إحدى أتعس لحظاته الكروية بإضاعته ركلة جزاء في نهائي أهم الكؤوس أمام الغريم مانشستر يونايتد.
ولم يكن قدوم الإسباني فرناندو توريس في 2010 عائقا أمامه، فقد نجح الفرنسي في الوصول إلى أفضل أرقامه في دوري الأبطال بتمزيقه الشباك في سبع مناسبات، في حين اكتفى بستة أهداف في الدوري المحلي. وقد وجد مدرب "الديوك" نفسه مجبرا على دعوته إلى مونديال القارة السمراء قبل أن يعلن اللاعب اعتزاله الدولي بعد ما استبعده المدرب من الفريق إثر مشادة كلامية بينهما بين شوطي مباراة المكسيك.
وكما كان المدرب سببا في نهاية مشواره مع الديكة، كان تولي أندري فيلاش بواش الإدارة الفنية الحدث الذي عجل برحيله عن كتيبة البلوز أواخر 2012.

تحول أنيلكا، الماركة المسجلة لكرة القدم الفرنسية، إلى خوض تجربة مغايرة تماما عما خبره وعرفه عن عالم الكرة في الملاعب الأوروبية، وتقمص زي شنغهاي شينهوا الصيني مقابل اثني عشر مليون يورو، ورغم لحاق الفيل الإيفواري ديديه دروغبا به، إلا أن النادي ظل في منتصف قائمة الدوري المحلي. لكن العلامة المميزة في تلك المرحلة كانت خوض أنيلكا تجربة المدرب المساعد لتيغانا لفترة قصيرة.

عبور باهت


لم يظهر أنيلكا بقميص البيانكونيري إلا في ثلاث مواجهات خلال الأشهر الستة الأولى من 2012 وهي فترة الإعارة إلى نادي يوفنتوس، لكن الحظ كان حليفه في نهاية ذلك الموسم ليحصل على شرف التتويج بلقب الدوري الإيطالي.
وفي بداية الموسم الجاري، أجمع النقاد الرياضيون على أن اختيار اللاعب الفرنسي لنادي ويست بروميتش ألبيون كان صائبا بنسبة مئوية كبيرة، ونجح أنيلكا في إحراز هدفين خلال ثلاث عشرة مباراة خاضها لكنه في عيد ميلاده الخامس والثلاثين الموافق للرابع عشر من مارس/ آذار الجاري، كتب على موقعه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر": "بعد محادثات مع النادي، علمت أنه يمكنني العودة إلى التشكيلة تحت ظروف معينة لا يمكنني الموافقة عليها، ومن أجل الحفاظ على استقامتي قررت تحرير نفسي وإنهاء عقدي مع ويست بروميتش على الفور".
بالمقابل سارع الفريق الانكليزي لتأكيد خبر مبادرته بفسخ العقد مع اللاعب الفرنسي، وكانت الأزمة قد اندلعت بين الطرفين بعد معاقبة الاتحاد الانكليزي لأنيلكا بالإيقاف خمس مباريات بسبب إشارة تم تقديرها باعتبارها معادية للسامية أثناء احتفاله بهدف في المباراة التي انتهت بثلاثة اهداف لمثلها مع ويست هام يونايتد في الدوري خلال ديسمبر/ كانون الأول الفائت.

ووسط هذا الجدل المثار بشأن أنيلكا، قد يكون اللاعب في آخر محطاته الكروية، وقد ينوي الاستمرار خاصة وأنه من عشاق الترحال واكتشاف الأغوار. ومهما كان شكل النهاية سيبقى أنيلكا أسطورة من أساطير الكرة أسعد الجماهير وأمتعها في مختلف ملاعب المعمورة.

المساهمون