في زمن الثورات: إعلام الهوامش يغالب الواقع

في زمن الثورات: إعلام الهوامش يغالب الواقع

03 يناير 2020
تستثمر بعض الفضائيات في معاناة البسطاء (Getty)
+ الخط -
في زمن الانتفاضة الشعبية التي يعيشها لبنان، ثمة تخبّط واضح بين محطات التلفزيون المحلية/الهواء مفتوح للكسب، لمحاولة أو تصور أن بعض "المهمشين" بإمكانهم تأمين شهرة وخداع الناس. 
بعيداً عن السجالات السياسية التي تشهدها الشاشات والساحات، والتناحر الذي تحوّل إلى "موضة" لزيادة نسبة المشاهدة ضمن البرامج السياسية، يبدو أن المُشاهد تحوّل مع الوقت إلى مجرد باحث في محتوى مواقع التواصل الاجتماعي، وساعده في ذلك إرسال فيديوهات هزلية ساخرة، لبعض الشخصيات، التي يعتبرها مثيرة للجدل والنقاش التي تتحول مع الوقت إلى "ترند"، ويبدأ التساؤل عن صاحب الفيديو، وتعزيز ما قام به أو إدراجه على لائحة ضيوف برامج المنوعات.
قبل سنوات، انتشرت في لبنان ظاهرة التنجيم على الشاشات المحلية، وتحول معظم المنجمين إلى "نجوم"، تقوم على استعارات كمحاولة للسطو على الضوء، وتعداد مآثرهم ونجاحاتهم، ليس فقط من خلال التوقعات، بل من خلال رسم صور وآفاق لمراحل مقبلة، بعضها يدخل في إطار التحليل الضيق أو المصالح التي تربط هؤلاء بالسياسيين أو النافذين.
لم يكن المنجّم ميشيل حايك يحلم بأكثر مما وصل إليه اليوم، قبل سنوات من اكتشاف المخرج الراحل سيمون أسمر لحايك، وتصدّره مشهد التوقعات السنوية من على شاشة LBCI التي كان يدير أسمر برامجها وسهراتها نهاية كل سنة، كان حايك مجرد صاحب محل تجاري، لم يُسمع به، وحتى اليوم لم يُعرف كيف دخل حايك مجال التوقعات السنوية، وأصبح واحداً من أشهر "علماء الغيب" في لبنان والعالم العربي. يتباهى حايك بصداقاته مع رجال مال وأعمال وسياسيين من لبنان ودول العالم العربي، ويتصدر كل سنة مشهد التوقعات.
وليس بعيداً من تحول زميل حايك، مايك فغالي، إلى صاحب التوقعات "السريعة"، بعد تقديمه فقرة يومية في تلفزيون OTV التابع لـ "التيار الوطني الحر" في لبنان، يقوده وزير الخارجية جبران باسيل.
حضور فغالي اليومي أعطاه مساحة كبيرة للرد على استفسارات المتصلين في ما يتعلق بمستقبلهم، المساحة كانت كافية لتكريس فغالي واحداً من أكثر المنجمين إثارة للجدل. وقبل عام قررت المحطات السورية استضافة الفلكي اللبناني وتخصيص محاضرات له، من دون مراعاة لوفرة الردود السلبية والمطالبة بإلغاء استضافته أو محاضراته.
المشهد عمومًا عبارة عن "مهمشين" اصطادوا بما هو مثير أو يشغل بال الناس في "الماورائيات" وتحولوا إلى "رموز" يتنافس الإعلام على حضورهم من أجل المشاهدين، بخلاف مجموعة أخرى تحاول الصعود عبر الإعلام نفسه من هامش آخر. 
رملاء نكد، الحاجة فدوات، عبد الله عقيل، ريما ديب، آنجي خوري، أسماء قد لا تعني للناس كثيراً، لكنها أسماء تشغل عدداً من المتابعين على صفحات ومواقع التواصل الاجتماعي.
بدأت ظاهرة "الهوامش" على مواقع التواصل الاجتماعي قبل ثلاث سنوات، وزاد من مساحة انتشارها، تقنية "اللايف" المباشر التي أضيفت على مواقع التواصل الاجتماعي، فأصبح باستطاعة الناس الكلام من دون قيود، أو السعي وراء محطة تلفزيونية، تحول محمل الصور الأشهر "إنستغرام" إلى وسيلة تواصل تحقق أعلى نسبة مشاهدة، وكذلك موقع "فيسبوك".
هذا الانصهار بين الناس ومواقع اجتماعية كثيرة، عزز حضور بعض الفئات المُهمشة، أو تلك "المُخالفة" لما هو سائد.
إذا طرحنا مشكلة سيدة تُدعى "فدوات" تعيش في جنوب لبنان، حُرمت من حضانة أطفالها، وبعد سنوات من المعاناة، صورت فيديو يروي مأساتها مع المحاكم الدينية، وقضية حرمانها من أولادها. لم تكتف فدوات بالكلام عن حاجتها لأولادها، بل سمّت بعض رجال الدين داخل المحكمة، واتهمتهم بالفساد. الفيديو الذي اعتبر يومها فضيحة باسم المحاكم الدينية، حوّل فدوات بكلامها البسيط ولهجتها الجنوبية، إلى ناشطة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكثر عدد متابعيها، ونجح رواد مواقع التواصل الاجتماعي في زيادة شعبية فدوات حتى تمت استضافتها من دون أي تبرير في البرامج التلفزيونية اللبنانية، فلم تجد محطة LBCI "لهون وبس" مهربًا من استضافة فدوات ومحاورتها ليلة رأس السنة، من دون مراعاة أي توجه للمشاهد الذي عبر عن استيائه عن ذلك عبر المواقع البديلة نفسها، مُستغربًا الدافع وراء استضافة فدوات والإضافة التي بإمكانها أن تحدثها من المقابلة، لكن كان واضحًا أن الهدف هو زيادة في نسبة المتابعة لما تحمله فيديوهات فدوات من مشاهدة عالية.
رملاء نكد هي أيضاً سيدة، أخطأت في فيديو صورته لمناسبة عيد الحيش قبل أقل من عام، وحولت "الخطأ" إلى استغلال، عبر بعض الأبيات التي تسميها شعراً تطلقها من على صفحتها بين الحين والآخر، محاولة رملاء نكد تحظى بمتابعة جيدة، ولو أن ردود الفعل على ما تقرأ تأتي غالبًا سلبية وتصل إلى حد الشتم، لكن نكد لا تأبه بالتعليقات، ولا بالنقد، ولا حتى تعمل على تحسين ما تسميه شعراً، بل تزداد ثقة بنفسها، وتصدق أنها مثيرة للجدل، وأن مريديها هم سلاحها. 
نهاية السنة الماضية استضافت قناة MTV رملاء نكد، ضمن برنامج "بيت الكل". محاولة بائسة من قبل البرنامج الذي لم يحقق نسبة متابعة عالية القفز على استغلال طيبة الناس، والضحك عليهم من خلال حوار تبنته المحطة وحولت رملاء نكد إلى عالمة غيب، في إطار من الدهشة يصل إلى حدود الإسفاف، والاستنجاد بهوامش الميديا البديلة لضمان نسبة مشاهدة من داخل المنازل.

المساهمون