في ذكرى الثورة: "الإخوان" إلى أين؟

19 يناير 2016

مقر "الإخوان" في القاهرة بعد الاعتداء عليه (1 يوليو/2013/Getty)

+ الخط -
جاءت موجة الربيع العربي، لتُحيي آمال الشعب العربي بالنهوض من تحت ركام الاستبداد المحلي، والاستعمار الخارجي. كانت الهبّة عفويّةً، بكل ما تعني الكلمة من معنى، أعني عند انطلاقتها الأولى، بعد أن أحرق الشاب محمد البوعزيزي جسده، غضباً واحتجاجاً على الظلم والقهر الذي تعرّض له الشباب العربي من حكوماته.
كانت القوى المحتشدة في الميادين والساحات خليطاً من قوى سياسية شبابية وطنية، حيث لم تكن هناك صبغة أو شعار حزبي، يفوق شعار "الشعب يريد إسقاط النظام". كان الهدف الرئيسي هو تغيير الوضع المعيشي القائم برمته، من خلال تغيير رأس النظام الحاكم، فالنقمة الشعبية لفّت حبال المشنقة على رقبة الرؤساء الفاسدين، فكان مجرد سقوط الرئيس يعني، فيما يعني، إيذاناً بحلول عهدٍ جديد، وانتصارٍ ساحق على الحكم البائد، حيث لم تكن الجماهير على دراية كافية بما تعنيه كلمة ثورة على النظام، أو بالخطوات اللازمة لإسقاطه، أو بما ستؤول إليه الثورات التي حملت طموحات الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة. ولأن القوى التي نزلت للشارع لم تكن مؤدلجة ومنظمة بما فيه الكفاية، فإن القوى التاريخية التي لها حيثية اجتماعية كبيرة، سرعان ما قفزت لتتصدّر المشهد السياسي برمته، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، وفي معظم الساحات العربية، تقريباً، تونس ومصر واليمن وليبيا. إذن، جاء تصدر جماعة الإخوان المسلمين المشهد السياسي؛ لكونها القوة الأكثر تنظيماً على الأرض، والتي تمتلك الإمكانات المادية والبشرية الضخمة، مدعمة بمشروع سياسي، تسعى إلى تطبيقه منذ أكثر من ثمانين عاماً، أي منذ إنشاء الشيخ حسن البنا الحركة الأم في مصر 1928.
لكن الأمور تقاس بخواتيمها، فقد شكل انتكاس الربيع العربي صدمة للقوى الثورية والديمقراطية من المنطقة، حيث ترافق هذا التراجع، مع انفجار برميل الطائفية في المشرق العربي، على شكل حروبٍ أهلية، حوّلت الشعوب إلى شظايا، وأزالت الحدود بين الدول، وفتّت المجتمعات التي كانت تعيش نوعاً من التعايش المعقول، في ظل دولٍ قُطريّة هشّة، لكنها في الحد الأدنى قادرة على توفير الأمن. نجحت القوى الرجعية محفوفة بمشاريع استعمارية من قيادة الثورة المضادة، وأعادت عقارب الساعة إلى الوراء، بالمعنى الحرفي لكلمة إعادة. في مصر، عاد العسكر إلى السيطرة على النظام، بعد استغلالهم مظاهرات حاشدة قادتها القوى الشبابية الثورية المناوئة لحكم الإخوان المسلمين الذين استفردوا بحكم مصر، وتخلوا عن القوى الثورية التي ساندتهم في الوصول إلى الحكم، وراحوا يهرولون لعقد صفقات سياسية بالجملة والمفرق مع المؤسسة العسكرية، والولايات المتحدة الأميركية، التي كانوا يشتمونها ليل نهار. كان من ضمن الصفقة تعيين الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي، وزيراً للدفاع، بعد وصول الرئيس محمد مرسي إلى الحكم مباشرة، عن طريق انتخابات ديمقراطية، هي الأولى من نوعها في تاريخ مصر الحديث، لكن الحركة لم تفِ بعهودها التي قطعتها على نفسها أمام الجمهور، ومنها عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية بمرشح من الجماعة، والاكتفاء بالمنافسة على ثلث مقاعد البرلمان. وأخيراً، الاستفراد بصياغة الدستور الجديد، ومحاولة السيطرة على القضاء، ما أدى إلى دخول مصر في أزمة مع الشارع المصري الذي انفجر، في مظاهرات حاشدة، ضد "الأخونة" كما أطلق عليها بعض النشطاء، لكن الحركة الجديدة، وللأسف الشديد، عوضاً عن تصحيح المسار الثوري، ودفعه نحو مزيد من الديمقراطية، قادت إلى انقلاب عسكري، نفذه الجنرال عبد الفتاح السيسي.

حركة الإخوان المسلمين براغماتية، فبعد وصولها إلى السلطة، باشرت في فتح بازار سياسي أمام المعسكر الذي طالما اتُهم بمناهضة التحول الديمقراطي في المنطقة، مثل دول الخليج المحافظة، ثم انتقل التنظيم إلى المشاركة مباشرة في الصراعات الأهلية، تارة بتنظيم مؤتمرات طائفية كما جرى في استاد القاهرة، وتارة أخرى عن طريق فروع الحركة التي تقاتل في سورية والعراق واليمن. أو بالتحريض على مزيد من الغليان الطائفي، في المنابر الإعلامية التي يسيطر عليها التنظيم أو القوى القريبة منه. وهذا يؤكد نظرتنا إلى قوى الإسلام السياسي بشكل عام، العاجز عن الانسجام في دولة وطنية قائمة على مبدأ المواطنة، وأن هذه القوى "الإسلامية المسيسة"، حتى بعدم تبنيها خطاب كراهية ضد الآخر، وسياسة طائفيةٍ خشنة، في لحظة نشوئها، فإنها يمكن أن تشكل وقوداً للحروب الأهلية في لحظات حاسمة، تشعر فيها بأنها خسرت السلطة، أو أن أحداً من حلفائها في طريقه لخسارتها، فتتحول، بين عشيةٍ وضحاها، إلى رأس حربة في الصراع الطائفي.
الظرف التاريخي لنشأة جماعة الإخوان المسلمين ساعدها على تبني سياسةٍ منفتحةٍ تجاه الأطراف السياسية من خارج الإطار الديني، أو حتى بالنسبة للطوائف الدينية المختلفة بشكل عام. وهذا النهج كان جلياً في أطروحات الشيخ حسن البنا، لكن الجماعة، ومنذ مطلع الثمانينات، أخذت "تتسلفن"، وتنحو باتجاه التطرف الديني والاجتماعي، كما سجل الباحث المتخصص في الحركات الإسلامية، حسام تمام، حين لاحظ أنها تأثرت كثيراً بالسلفية السعودية، بعد نزوح بعض قيادات الحركة للعمل فيها.
بعد كل ما مر به التنظيم، لا يبدو أنه في طور التسليم لخصومه بالهزيمة، كما لا يبدو أن اهتزاز صورة الحركة في الشارع العربي قد يثير فضول مكتب الإرشاد، لعمل مراجعةٍ من أي نوع، فعلى الرغم من عظم الإخفاقات السياسية، إلا أن التيار القطبي داخل الحركة باق ويتمدّد.

59C609B9-D3BD-480F-B605-2AC47CF69F0B
محمد الصادق

كاتب سعودي، مؤلف كتاب "الحراك الشيعي في السعودية"