في ديسمبر في دكّان الأقمشة

في ديسمبر في دكّان الأقمشة

05 ديسمبر 2018
"ميكرو- سيلفي" لـ سوزانا تشاس/ البرتغال
+ الخط -

في صلاة الجمعة في ماناغوا
شرطة الهجرة تلقي إلينا بجثة صومالي
بقيت في الثلاجة ثلاثة أشهر لم يسأل
عنه أحد.

في الصباح الباكر
أول زبون في دكان الأقمشة
يريد ثلاثة أمتار بيضاء لتكفين ميت.

لفة قماش مدموغة بمراسي سفن
أسند ظهري إليها
أتنفس بعمق.
ينمو من كتفي شراع.

في ديسمبر في دكان الأقمشة.
يتصارع الأحمر والأخضر
الغلبة للأحمر.

في شهر ديسمبر
تشتري العجائز الفقيرات قماشاً مرسومٌ عليه سانتا كلوز سعيد
ومعه صناديق كبيرة لتغطية طاولات ذاب لونها وخشبها.

في الطابق العاشر
عامل بناء
يلوّح ويصفّر لفتاة عابرة صارخاً:
ريتشارد، أغسل، أكوي، أمسح، أغير حفاظات...

خلف الأسلاك الشائكة
أعدُّ أكثر من عشرين جبلاً.

من تحت غطاء العينين
تسقط دمعة البغل.

منذ ساعات
لم تتحرك الغيمة فوق المقبرة.

في المقبرة الجديدة
دُفنَ الميت الأول
ليلة موحشة.

على مد النظر
لا تنتهي القبور.

نوافذ السجن الجديد في مدينة الزرقاء
تطلّ على مقبرة.

جبلان
يحاولان خنق غيمة.

سبقهم المطر
لم يستطيعوا تغطية حبوب القهوة
المفرودة تحت الشمس.

مع بعضها
الغيوم البيضاء تتجمع
كذلك الغيوم السوداء.

متخاصمة
غيوم صغيرة ملونة
لا تريد أن تتجمع.

النمل المتوحش
لا يترك فرصة لبراعم حديقتي للنمو.

أغلقَ الغيم تماما
الفراغ بين جبلين.

أقود سيارتي مسرعا
من النافذة تدخل فراشة صفراء
تحط بهدوء على كتفي.

في مهرجان شعر عالمي
شخص واحد
يستمع لأربعة شعراء.

هذه الغيمة
لها شكل حقيبة سفر.

في ظهيرة حارة
أمام محل بيع التوابيت
يتناقشان في الأسعار وجودة الخشب.

ينفض العامل الغبار
في محل بيع التوابيت.


رغم ضجة السوق
أسمع بوضوح صوت
طقطقة عظمة جافة في فم الكلب.

حدّثتُ غيمة عن الأوطان
ضحكتْ حتى بالتْ على نفسها.

غيمتان تتعاركان منذ ساعة
أنا أصفق لهما.

على رؤوس أصابعها
الغيوم تتنقل فوق الأشجار.

ألقيت الخبز للبط
سبقه السمك.

ظلمة خفيفة
تلال جرداء
حزن عميق.

احتجت سبعين يوما
لأنتصر على حشرة البق.

بعد انتهاء المطر بساعة
نزلتْ آخر قطرة مطر
عن سقف الصفيح.

الريح الباردة
تأخذ الأرجوحة الفارغة
شمالا وجنوبا.

في سوق الخضار
الغلبة للبصل.

نسينا ربط الحمار
أكلَ زوادتنا
القرية بعيدة.

أمضيت أسبوعا في قرية باردة في غواتيمالا
كل ما أذكره شراب الذرة المغلي.

صباح آخر
الستارة لم أفتحها أيضا.

في محل العطارة
عبوات لتقوية الفحولة
مكتوب عليها: حجر جهنم.

استعصى علي اختيار عنوان لمجموعتي الشعرية
أدخلُ محل عطارة.

سلال قش مليئة بالمانجا
على ظهر باص قديم
قادم من غابات الشمال.

أعلى غصن
منبثق من قاع الشجرة.

في المشغل اليدوي
خمسون عذراء وملاكين
ينتظرون الصَّباغ.

أثناء تقليم دالية العنب
سقط فرخ طائر من العش.

من بقايا أسلاك الكهرباء
تصنع الحمامة عشا.

على نقاط الماء
الساقطة من جهاز التكييف
تنمو نبتة فلفل حار.

ذهبنا للبحث عن بيوض السلاحف البحرية
وصلنا متأخرين
كلها غادرتْ إلى البحر.

ضربة واحدة
يتفتت قالب الثلج الكبير
ظهيرة حارة.

تحت المزراب
نبتة متيبسة
منتصف الصيف.

عربات التفاح والعنب
تظهر في ماناغوا
إنه ديسمبر.

باتجاه الحريق في السوق
يركضون معا
اللصوص والشرطة.

طفلة نائمة
في عربة موز فارغة
الطريق إلى البيت.

متشبثتين ببعضهما
آخر موزتين على العربة.

في سوق ماناغوا الشعبي
كل أجهزة الراديو
على نفس القناة
تمجد عودة المنقذ اليسوع.

في الحيّ الفقير
جدّدوا الكنيسة ثلاث مرات في سنة واحدة.

قماش مرسوم عليه سانتا كلوز
يحتل دكان الاقمشة
أواخر ديسمبر.

يعيدون أشجار الميلاد البلاستيكية
إلى الكراتين
أوائل يناير.

شجرة الميلاد البلاستيكية
شهدت حتى الآن خمسة أعياد.

مقعد وشنطة ملابس
فيها سيديهات أفلام
رأس مال البائع.

في نيكاراغوا
منذ 17 سنة لم أشعل مدفأة
لم أرتد ملابساً شتويه.

من محل الخردة
اشتريت منفضة سجائر فاخرة
على ظهرها توقيع فنان مجهول.

في محل بيع التوابيت
يبيعون أيضا سكاكر وسجائر.

على شاطئ كورينتو
باخرة حديدية قديمة
فككها اللصوص في أسبوع.

في محل الخردة
هجم الناس على الملاعق الفضية
أصليّه.

تخرج السلاحف البحرية من البيض
كلها تتبع صوت البحر
ولا واحدة اتجهت إلى اليابسة.

قطّي يعرف بوق سيارتي
يكون أول الخارجين للاستقبال.

طابور سيارات في جنازة
بسرعة أتحاشاهم.

مكان الشجرة المقطوعة
احتلته أعشاب بريه صغيره.

في وسط جرار النباتات في المنازل الفاخرة
بوتيرة أعلى تنمو الأعشاب البرية.

حنين
الخطوط البيضاء خلف الطائرات في السماء.

على العربات
الموز المحقون بالهرمونات فاقع الصفرة.

بخفة
تختفي الغيوم بين الأشجار.

بدأ بالتعفن
ماء المطر المتجمع في جرة الزعتر منذ أسبوعين.

حقائب السفر القديمة لم تعد تسافر
على الرف بين الغبار مليئة بملابس قديمة.

في الصباح الباكر
رائحة البصل المنقوع بالخل تطوف السوق.

حين تفهم معاناة اﻷشجار في شوارع المدن
ستخجل من التعبير عن آلامك التافهة.

من الشمال إلى الجنوب،
من الشرق إلى الغرب،
الهواء يختنق.

بعد سقوط ورقة شجرة
لم تعد الغابة كما كانت،
صارت غابة ناقصة ورقة.

الليل والريح ضدها
الشمعة تنهار بسرعة في صحن الخزف.

في حقل دُفِنَ فيه ضحايا مجزرة جماعية
ينمو قمح وشعير.

في المحل وضعوا لحما مسموما للفئران
ماتت 13 قطة.

جمجمة في الحقل
في المحجرين عشب بري.

حتى رأس الخنزير المسلوخ في دكان بيع اللحوم
لسانه المدلوق يسخر مني.

هذا الكاز محشور في قاع القنديل منذ مات صاحبه
قبل عشر سنوات.

زوج من العناكب السعيدة في زاوية المحل يراقبان بؤس الشارع والبشر المجانين الجادين، أكاد أسمع ضحكتهما.

في محل البنشر وتغيير الزيوت
كل شيء أسود
حتى القط الصغير النحيل.

شجرتا سرو على الباب
لا يوجد فرصة لتتعانقا
لو كان لهما أغصان..... لو.

صرخة طائر وحيدة
أيقظتني في الخامسة صباحا
ليته كررها.
لا أعرف إن كنتُ حقاً سمعت هذه الصرخة أم أني قرأتها في مكان ما.

عمّال شركة الكهرباء مع مناشير
في الشارع المليء بالأشجار الضخمة.

يمسكون الدجاجة من رقبتها
يلوِّحونها في الهواء لتموت
أشعر بالغثيان.

تسألني طفلتي أثناء انقطاع الكهرباء:
لماذا لم ينطفئ القمر؟

ابنتي "ميار" ذات الثلاث سنوات تقول لي:
أريد أن أذهب معك إلى القمر يا أبي.

بعد سنوات طويلة
تحتفظ حدوة الحصان المعلقة على الباب
ببقايا روث وتراب.

بعد الهزة الأرضية
سقط تمثال المسيح الطفل على الأرض
العذراء في مكانها تنظر بحزن للأسفل.

في ليلة ممطرة
خفاش يدخل بيتي،
ينتهي به الأمر قتيلا على زجاج النافذة.

أول الشتاء
أمي تخرج الملابس الثقيلة
وتخزّن الملابس الصيفية.
أنا أخرج أحزاني وأخبئ أفراحي.


* شاعر فلسطيني أردني مقيم في نيكاراغوا

المساهمون