في دروس كورونا الخليجية

في دروس كورونا الخليجية

16 مارس 2020
+ الخط -
تتعامل السلطات في كل من الإمارات والسعودية مع الأزمة الحادّة التي يُحدثها فيروس كورونا بمهنيةٍ ومسؤوليةٍ وشفافية، وبأداءٍ عالي المستوى على غير صعيد. ولا يتم التأشير إلى البلدين الخليجيين هنا لتقريظ هذا الأداء الذي لا يختلف عنه ما تبذُله الكويت وقطر وعُمان (والبحرين مع تخفّظ طفيف) في التصدّي لانتشار الفيروس، وإنما للتذكير بأن أداء الحكم في كل من السعودية والإمارات، في غير مسألة، يتّصف بالتبجّح، وبانعدام الشفافية، وبتخبّط كثير، ونقصانٍ في الحسابات والرهانات، على غير ما يُرى بشأن كورونا. ولا يحتاجُ واحدُنا إلى عقل أينشتاين ليفسّر هذه المسافة الظاهرة بين الحاليْن المتحدّث عنهما، ذلك أن الدولة عندما تعمل في أي أمرٍ بوصفها دولة، وتتخذ قراراتها وإجراءاتها بكيفياتٍ مؤسسيةٍ، وبتقديم الأولويات والضرورات على ما عداها، وبحسبة المكاسب والخسائر، وبإبداع المعالجات الفنية والسياسية والاقتصادية الناجعة عند الحاجة إليها، عندما تشتغل الدولة بهذا الإيقاع تحقّق منجزاً طيّباً، سيما إذا حباها الله بالإمكانات والمقدّرات اللازمة، وبالطاقات البشرية ذات الكفاءة والتأهيل العالي والخبرة. أما إذا جاءت القرارات، بصيغة توجيهاتٍ وأوامر، صدوراً عن مزاجٍ لفردٍ متورّمٍ في ذاته، محدود التعليم وعديم الخبرة، يجلس على كرسيٍّ عال في الحكم، ويتصف بالطيش، يتوطّن في مداركه الزهو بتفرّده بالسلطة، عندها ينعدم أداء الدولة، بوصفها كيانا مؤسّسيا، ويتقدّم الهوى والغرض، وبذلك لا يصير للسؤال عن أسباب الفشل والخسران أي معنى.
أتعبَ زملاء كثيرون أنفسهم وهم يقلّبون أسباب سوء العلاقات السعودية التركية في آخر ثلاث سنوات من حكم الملك الراحل، عبدالله بن عبدالعزيز، من دون التفاتهم إلى أن بُغضا شخصيا لدى الأخير تجاه الرئيس أردوغان كان أهم الأسباب. وكان باعثا لبعض التعاطف مع وزير الخارجية السعودي السابق، عادل الجبير (لماذا تغير موقعه إلى وزير دولة للشؤون الخارجية؟)، وهو يزيد ويعيد بشأن جريمة قتل جمال خاشقجي، بعد عشرين يوما على وقوعها، ولم يكن يعرف ما يقول، فقد كان مغيّبا عن التدبير الشيطاني للجريمة في مقر قنصليةٍ يُفترض أن أمورها ضمن مسؤولياته. ومؤكّد أنه يحتاجُ إلى أرطالٍ من رجاحة العقل من يَفترض أن درسا مسبقا أجرته أخيرا مؤسساتٌ عليا في الدولة السعودية لقرار زيادة إنتاج النفط للمملكة، وتخفيض الأسعار، فيما هو قرارٌ يصنعه شخصٌ واحد في القصر، لا يكترث بحساباتٍ محلية، ولا بوجود منظمةٍ اسمها "أوبك". وهو نفسُه الذي لم تتوقف صحافاتٌ أميركيةٌ وأوروبيةٌ منذ عشرة أيام عن نشر أخبار اعتقالاته عمّاً له وأبناء عمومة (وبنت عمّ  أيضا)، من دون أن تعقّب أي من أجهزة الدولة السعودية بأي تنويرٍ للرأي العام المحلي، في هذا الشأن الحسّاس الذي يسوق هذا الأداء الطوطمي فيه إلى نيّة المتحدَّث عنه الوثوب إلى العرش قبل نهاية الصيف المقبل.
دعك من مسميّات مجالس الأمن القومي ووزاراتٍ معنيةٍ بالدفاع والخارجية والمالية، في أنظمة من طراز القائم في كل من أبوظبي والرياض، وإلا كيف يمكن تفسير الفشل الفادح لقرار الحصار على دولة قطر، والذي ابتدعه صنوٌ للمشار إليه في السطور السابقة، في عاصمة الإمارات، أمكن له جرّ الحاكمين في ثلاث عواصم أخرى إلى القرار نفسه. الفشل الإعلامي والسياسي المريع لتلك الحماقة لا تؤكّده صحافة الدوحة، وإنما الحقائق البادية التي دلّت على أن المزاج الطائش لمنقوصي المعرفة بالعالم وخرائطه، ولموازين القوة ومستوياتها، أخذ أصحابَه الذين تستبدّ بهم أوهامهم الإمبراطورية، إلى أن يعرفوا متأخّرين أنه كان عليهم أن يُخيّطوا في مسلة أخرى. وهذه أوهامهم تزيد البؤس في ليبيا بؤسا، وتزيد الكارثة في اليمن كارثية.
أعلنت الإمارات عن خطة دعم اقتصادي شاملة، بقيمة مائة مليار درهم (27 مليار دولار)، للقطاعات التي تضرّرت من تداعيات أزمة كورونا. وأعلنت السعودية عن حزمةٍ مالية بقيمة 50 مليار ريال (13 مليار دولار) لإعانة المنشآت المتضرّرة. وشارك وزيرا الصحة في البلدين، بإيجابية، في اجتماع بالفيديو كونفرنس، أول من أمس السبت، مع زملائهم وزراء الصحة الآخرين في دول مجلس التعاون الخليجي، في تأكيدٍ على أن ثمّة دولةٌ يمكنها أن تعمل في كل من البلديْن، لصالح شعبيهما، ولصالح شعوب الخليج الواحد، فيما شواهد أخرى تدلّ على عطالة الدولة فيهما في شؤون ضارّة بالجميع.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.