في حبّ الوطن

في حبّ الوطن

08 يونيو 2020
+ الخط -
هناك أنواع كثيرة ومتعدّدة من الحب. مثال حبّ الأم لابنها، والحبيب لحبيبته، والزوج لزوجته، والطفل للعبته، والطالب لمعلمه، والفارس لفرسه، والموسيقي لآلته، والصحافي لرائحة الورق وغباره، والطبيب لأدواته، والتشكيلي لألوانه ولوحته، والمسافر للعودة والحنين إلى وطنه.. فأنواع الحب كثيرة، ولا مجال هنا لذكرها.
وإذا ما حاولنا أن نقف عند مفهوم حبّ الوطن. ماذا يعني ذلك؟
لا شكَّ، أنَّ هذا المفهوم يُعدُّ من المفاهيم العميقة الخالصة بالنسبة للإنسان باعتباره كائناً حياً يتصف بالمشاعر والأحاسيس، والتي لا يمكن للإنسان أن ينكرها أو يتنصل منها، لأن حبّ الوطن من الإيمان، ولا يمكن لأيّ شخص، مهما سما أن ينكر ذلك، وهذا لا يشعر به أو يعانيه إلّا ذاك المسافر الذي تبعده مئات أو حتى آلاف الأميال عن وطنه وأهله، وهذا ما يعني أن الشوق يتضاعف.. فحبّ الوطن مفهومه كبير، ولا يمكن بحال أن نتغاضى عنه لأنه من أغلى الأشياء المهمّة في حياتنا، والجديرة بتكريسها، وبحسبة بسيطة، يمكن أن نقول: ماذا يعني وطن؟!
الوطن، هو الحضن الواسع للجميع، الذي يجمعنا على حب الآخر، وهو شامل، ويتجاوز كل حب، ولا يمكننا أن نقول غير ذلك.. لأن المَساس بالوطن يعني المساس بنا كأشخاص، ما يجعلنا نفدي هذا الوطن، ونحافظ على هذا الشرف العظيم الذي يجعلنا أكثر التصاقاً به، والحفاظ عليه.
وبقدر ما تهان كرامته، ويصاب بأذى، فهذا سينال من قدر ومكانة أبنائه، ويودي بهم إلى مراحل لا شكّ أنها ستتعاظم يوماً بعد آخر، وهذا ما نعانيه اليوم، نحن السوريين، في سورية وخارجها.

فالوطن هو الأمن والأمان، وهو الاستقرار والأساس الذي يحيا لأجله الإنسان لأنه الكيان الذي يحتويه، ولذلك يُعتبر حبّ الوطن من الإيمان بوجوده، فحبه شيءٌ نابعٌ من القلب والوجدان، وهو شيءٌ لا يمكن تزييفه أو ادّعاؤه لأنه يأتي بالفطرة السليمة، فكل إنسان وحيوانٍ وطائرٍ يحنّ لوطنه مهما حلّ أو ارتحل، لذلك يُعتبر الوطن من المقدسات في ضمير جميع الأحياء، ومن يتنازل عن حقه في حب الوطن يكون كمن يتنازل عن نظر عينيه، لأن الوطن هو الذي يصنع لأبنائه وجودهم وهو الذي يجعل للإنسان قيمة.
حب الوطن ليس مجرد كلماتٍ تُقال أو شعاراتٍ تُرفع، ولا هو خطابات رنّانة تُشعل الروح الحماسية ويهتف بها الشعب، بل هو فعلٌ قبل القول وترجمةٌ على أرض الواقع، فحب الوطن يكون بالدفاع عنه لآخر رمق، والوقوف إلى جانب قضاياه في الحرب والسلم، ودحر كل غاصبٍ يُحاول أن يعتدي عليه، كما أن حب الوطن يكون بأن نُحافظ على جميع مقدراته من السلب والنهب، وأن نحمي تاريخه الماضي وأن نحرس حاضره وأن نرعى مستقبله ومستقبل أبنائه، فالوطن لا يُريد من أبنائه أن يكتبوا اسمه ويُعلقوه تميمةً على صدورهم، بل يُريد منهم أن تبقى له الأولوية في حياتهم في كل شيء، وأن يكون العطاء له غير محدودٍ أبداً.
الوطن لا يُمكن أن يخون أبناءه حتى وإن خانوه، فمهما ابتعدوا عنه، سيفتح لهم ذراعيه عند عودتهم، ومهما قست الظروف يبقى الوطن حنوناً وادعاً، حتى أنّ القلب لا يشعر بالراحة والسكينة إلا فيه، فهو شيءٌ متعلقٌ بالروح قبل الجسد، وحبّه يسري في العروق مع الدماء.
ومن أجل حبّ الوطن فعلى أبنائه أن يجدّوا ويجتهدوا ويصنعوا لأنفسهم مكانةً بين باقي الشعوب، لا سيما أن الوطن مثل الأم الحنون التي تفخر بإنجاز أبنائها، وكلّما أعطى الأبناء أكثر، زادهم الوطن أكثر فأكثر، فهو في الولادة يمنحك اسمه وانتماءه وعاطفته، وفي الحياة يمنحك الأهل والبيت والسكن والتعليم، وفي الموت يحتوي أبناءه بترابه ويضمّهم إليه إلى أن يشاء الله، لذلك يلتصق الوطن بكل ما يخص أبناءه من المهد إلى اللحد.
لذلك فليكن الوطن دوماً في القلب والوجدان، ولنُحافظ عليه كما نُحافظ على أرواحنا، لأن من يعيش بلا وطن، يعيش ذليلاً مكسوراً لا يعرفُ أين يذهب ولا إلى أي شيءٍ ينتمي.
فالوطن تظلّ صورته كبيرة مرسومة في قلوبنا وفي عقولنا وفي وجدان كل واحد منا، مهما صغر أو كبر شأنه، لا سيما أنَّ هذا الإحساس لا يشعر به إلّا من فقد هذا المفهوم غير العادي للوطن الذي فيه نكبر ونكبر ويكبر معنا طموحنا.
6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.