Skip to main content
في تذكّر الخطيئة القاتلة
عبد اللطيف السعدون
حقول نفط كويتية تحترق بعد انسحاب القوات العراقية (1/1/1991/Getty)
ماذا كان يدور في رأس صدام حسين، وهو يأمر حرسه الجمهوري بالتحرّك باتجاه الكويت ليلة الثاني من أغسطس/آب 1990، وهل فكّر بردود الأفعال المحتملة؟ هل استشار أحدا من قادة حزبه، قبل أن يقدم على خطوته تلك؟ ولو كان استشارهم هل كان أحد منهم يجرؤ أن يقول له: ستكون عملية الغزو خطيئةً كبرى، وأنها قد تطيح سلطتنا، وبلدنا أيضا. صدام عرض خطته للغزو على اثنين من مقرّبيه: صهره حسين كامل وابن عمه علي حسن المجيد، وكل منهما لم يكن يفقه شيئا، لا في خطط العسكر ولا في شؤون السياسة والعلاقات بين الدول، وكلاهما لا يملك أن يقول لصدام كلمة: لا. 
هنا مفارقة مثيرة، إذا ما علمنا أن وزير الدفاع ورئيس الأركان أبلغا بخبر الغزو بعد وقوعه، وقد أصيبا بصدمة كبيرة، (نزار الخزرجي رئيس الأركان في مقابلة مع صحيفة الحياة)، أما المواطنون العاديون فقد ابتلعوا "الطعم" صاغرين!
لم تكن ثمّة حجة مقنعة يتوكأ عليها صدام في تبرير غزوته، وبدت كل طروحاته واهيةً لا تصمد أمام المنطق، تنقل في طرح مبرّرات الغزو. قال إن ثورة قد تفجرت في الكويت، وأن قادتها طلبوا نجدة من أشقائهم العراقيين، وقد صنع من ضابط كويتي مغمور على صلة بالمخابرات العراقية قائدا للثورة المزعومة، وعيّنه رئيسا لحكومة الكويت. وقال أيضا إن عملية الكويت كانت مطلوبة، لأنها أعادت الفرع إلى الأصل، إذ كانت الكويت يوما ما تابعة لولاية البصرة. وقال إنه دخل الكويت، لأن حكومتها تآمرت ضده، وسرقت نفطه.
رفض صدام سحب جنوده، عندما طالبه المجتمع الدولي، وأبلغهم بأنه حتى لو سمعوا من الإذاعة أمرا منه بالانسحاب، فسيكون مفبركا، لأنه لن يتخذ قرارا كهذا، مهما كانت الضغوط، لكنه ما لبث أن أمرهم بالانسحاب تحت ضغط الآلة العسكرية لقوات التحالف، ووضعهم في مأزقٍ إلى درجة أن قادتهم لم يتمكّنوا من تقرير فعل ما. وهكذا حدثت الفوضى، احترق آلافٌ منهم في الصحراء وهم يعودون أدراجهم، وضاع آلاف آخرون في متاهاتٍ لا قبل لهم بمواجهتها. وفي حينه، صدرت قراراتٌ دوليةٌ لمعاقبة العراق، كان بعضها مجحفا بحقوقه، وظالما لأبنائه. ولم يكن أمام صدام من خيار سوى الرضوخ لتلك القرارات، والعمل على تنفيدها، لكنه بعدما وضع العراق على بوابات جهنم، ظل مكابرا مغالبا هزيمته. وسوف نجده في لقاء مغلق، ضم صحافيين وإعلاميين عراقيين يطمئن الحضور: "لا تشعروا بالخيبة أو الانكسار (بعد قبول قرار ترسيم الحدود المجحف) فسيأتي اليوم الذي نسترجع فيه الكويت، وإذا لم نقم نحن بذلك سوف يقوم به أحفادنا".
هل أدرك صدام آنذاك أن خطيئته كبّدت العراقيين أكثر من مائة ألف قتيل من ضباط وجنود
 ومدنيين، وأن إجمالي نفقات ما دمّرته الحرب وصل إلى 232 مليار دولار بحسب دراسة للأمم المتحدة، وأن تعويضات المتضرّرين من نحو مائة دولة ومنظمة دولية تجاوزت الخمسين مليارا؟ هل أدرك أنه بغزوه الكويت وجّه ضربة قاتلة للمشروع القومي الذي كان البعثيون في مقدّمة مرّوجيه؟ هل تذكّر، ولو بعد حين، أننا ترعرعنا على "ثيمة" فكرية، تقول إننا وطن واحد من المحيط إلى الخليج، وإننا مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى، وإنه طعن بفعلته تلك "الثيمة" في الصميم؟ هل اكتشف، ولو متأخرا، أن إسرائيل صفقت لاحتلال الكويت، لأنها وجدت فيه دعما لمنطقها القائل إن العرب قبائل متخلفة، اعتادت ممارسة الغزو والثأر في ما بينها، وهي لا يمكن أن تؤسّس لمشروع حضاري متقدم؟
ثم... ماذا أراد من غزوه الكويت؟ أغلب الظن أنه أراد أن يكون شرطي الخليج، وفي ذهنه صورة شاه إيران الراحل، لكنه لم يكن يقدّر أن القوى الكبرى، خصوصا الولايات المتحدة، لا يمكن أن تعطيه شيكا على بياض، وكذلك الخليجيون الذين استخدموه في مواجهة "البعبع" الإيراني لن يمحضوه الولاء لأكثر من سبب.
وهكذا ارتدّ خائبا، بعد أن خسر كثيرا من أوراقه، وظلت خطيئة غزوة الكويت ملتصقة به، حتى جرّدته واشنطن من كل أسلحته، ثم أطاحته على النحو المعروف. بفعل تلك الخطيئة، تحول العراق إلى حطام، وأصبح العالم العربي كله في مهب الرياح، تلك كانت غلطة شاطر، وقد كلفتنا الكثير.