في تذكّر "3 يوليو"

في تذكّر "3 يوليو"

02 يوليو 2018
+ الخط -
لم تعد المسألة في شأن ما جرى في مصر مساء يوم 3 يوليو/ تموز 2013 أنه كان انقلابا عسكريا أم استجابةَ القوات المسلحة لثورة الشعب في ساعاتٍ ثلاثٍ مساء يوم 30 يونيو/ حزيران 2013، ليس لأن ما شهده هذا البلد في السنوات الخمس الماضية، في غير شأن، ثقيلٌ، وأزاح ذلك السؤال إلى الوراء، وصيّره من مشاغل الأكاديميين، وإنما أيضا لأن أي طالب في العلوم السياسية يحسم الإجابة، ببديهيةٍ، موجزُها أن إعلان وزيرٍ للدفاع، مرتديا بزّته العسكرية، خلْعَ رئيس الجمهورية، للبدء بخريطة طريقٍ مخترعةٍ للتو، لا تسمية له سوى أنه انقلاب، وإن استدعى هذا الوزير، لتزيين مشهد إعلانه ذاك، شيخ الأزهر وبابا الكنيسة القبطية المرقسية، وبينهما الداعية النحرير إلى الحياة المدنية محمد البرادعي. .. ولكن مهلا، مرّت بلادٌ عربية، وأخرى شقيقةٌ عالمثالثية، بانقلاباتٍ عسكريةٍ قوبلت بارتياح شعبي حقيقي، قرفا بنظامٍ سافرٍ يتم الإجهاز عليه، أو لانعطافةٍ يُحدثها هذا الانقلاب نحو مسارٍ يتوفر على مقادير معقولةٍ من الانفتاح الديمقراطي والتعدّدية والتداول السياسي، كما فعل انقلاب وزير الدفاع المشير عبد الرحمن سوار الذهب على الرئيس جعفر نميري في السودان. أو لما يبادر إليه النظام الجديد من ثورةٍ شاملةٍ، إصلاحيةٍ ونهضويةٍ عريضة، وإن تناقصت في الأثناء الحريات العامة، وعوين مناخٌ ظاهرٌ من الدكتاتورية، وانقلاب 23 يوليو 1952 في مصر، والذي صار تاليا ثورةً حقيقيةً، نموذجٌ دالٌّ على هذه الحالة.
لا تتوفر واقعة "3 يوليو" في مصر على شيءٍ مما سبق، وإنْ صحّ قولٌ إن مصريين ليسوا قليلين أسعدتهم إزاحة "الإخوان المسلمين" عن الحكم، وإطاحة الرئيس المدني المنتخب، محمد مرسي. لم تُنجِز "خريطة الطريق" التي أعلنها وزير الدفاع ذلك المساء، عبد الفتاح السيسي، مسارا تحقّقت فيه أشواق المصريين إلى كرامةٍ منظورةٍ، وعدالةٍ اجتماعيةٍ مشتهاةٍ، وحرياتٍ عامةٍ يحتاجونها. لم يلحظوا أن ثورةً عبرت إليها بلدُهم، تمضي بهم نحو خلاصٍ حقيقي من نظام حسني مبارك وبناه العميقة، بل على العكس، استقوت هذه البنى، وتمثيلاتُها غير القليلة، بالنظام الذي طرأ صيف 2013. ومع التسليم بصحة أن مشروعاتٍ كبرى قامت في البلاد، في سنوات عبد الفتاح السيسي رئيسا، وأن ارتفاعا شهده نمو الاقتصاد المصري، إلا أن ذلك يخصّ الدولة أكثر مما يستشعره الشعب مباشرةً، بدليل أن هذا الرئيس ساق، بمناسبة ذكرى "30 يونيو"، أخيرا، تحسّن النمو الاقتصادي هذا شاهدا على إنجازاتٍ تحققت، بالموازاة مع حديثٍ أسهب فيه عن إصلاحٍ اقتصادي، تحمّل في أثنائه المواطن المصري "مشاقّ توفير الحياة الكريمة" لأبنائه، ولكن "بكبرياءٍ وشموخ". والظاهر أن من يكتبون للرجل خطبه وكلماته يتوسّلون الإنشاء المكابر، عساه بذلك ينجح في إزاحة الأعين عن الغلاء المهول الذي أنجزته حكومات السيسي في السنوات الخمس الماضية، والارتفاع الكبير الذي ضرب أسعار الغاز ومياه الشرب والوقود، وسلع أخرى بلا عدد (350% زيادة أسعار تذاكر مترو الأنفاق)، وكذلك الرسوم على الخدمات الحكومية.
ليس منسيّا أن السيسي لمّا أعلن ترشّحه لانتخابات الرئاسة في 2014 (وهو ببزّته العسكرية!) لم يطرح أمام المصريين أي برنامجٍ انتخابي، ولم يقم بحملةٍ انتخابية إطلاقا، واكتفى بظهورٍ تلفزيوني وحيد. وأذاع محمد حسنين هيكل أن السيسي ليس في حاجةٍ إلى إشهار برنامج انتخابي، فالمهم "الرؤية" التي لديه. وكان الكاتب الشهير قد رمى مرشّحي انتخابات الرئاسة الـ 13 بعد ثورة يناير بأن لا أحد منهم يملك عرض حالٍ يشخّص أحوال مصر. وهذا هو السيسي يتباهى، في كلمته أخيرا، بمعجزةٍ تحدّت بها مصر غياب الأمن والاستقرار السياسي، وانتشار الإرهاب والعنف المسلح، وانهيار الاقتصاد. ولمن يريد أن يصدّق هذا الكلام فهذا شأنُه، غير أن التردّي المهول في حريات الرأي والتعبير، والاعتقالات النشطة للأصوات الناقدة، وموت مئات المحتجزين في السجون، والبؤس المريع لصورة مصر باعتبارها ملفا حقوقيا مؤسفا في أوساط عريضة في العالم، ذلك كله وغيره من عناوين كثيرة تحسم أن "3 يوليو" كانت انقلابا عسكريا مشهودا، استهلّ عهده بمذبحتين، في ميداني رابعة العدوية والنهضة، ثم لم يُنجز سوى الفشل في بلدٍ مؤهلٍ لإنجاز كل النجاحات، في ظل نظام غير الذي نرى، خائفٍ ومرتعشٍ من سامي عنان وهشام جنينة وعبد المنعم أبو الفتوح ومحمود أبو زيد وإسماعيل الإسكندراني.. وغيرهم.
358705DE-EDC9-4CED-A9C8-050C13BD6EE1
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.