تتسم الذكرى الـ 42 لإحياء يوم الأرض الفلسطيني بظروف مغايرة عن تلك السائدة في عام 1976 الذي انطلق فيه هذا اليوم، الأمر الذي يجب أن ينعكس بشكل واضح على طريقة إحياء هذه الذكرى. إذ كانت الظروف الذاتية والمحلية المرافقة ليوم الأرض مليئة بالعوامل المعززة للأمل واليقين الفلسطيني بحتمية الانتصار وحتمية استعادة الحقوق المستلبة منذ النكبة، في حين تشير غالبية العوامل المحلية والعربية والدولية اليوم إلى ابتعادنا عن بلوغ الهدف الفلسطيني.
انطلقت فاعلية يوم الأرض عام 1976 كرد فعل شعبي على عزم الاحتلال مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي العربية ذات الملكية الخاصة والعامة، في إطار مشروع "تطوير الجليل" الذي كان عملياً مشروع تهويد الجليل. وذلك عبر مصادرة قوات الاحتلال لـ20 ألف دونم من أراضي عرابة وسخنين وعرب السواعد وغيرها من مناطق الجليل المحتلة في عام 1948، مما أدى إلى اتفاق لجنة الدفاع عن الأراضي واللجنة القطرية لرؤساء المجالس العربية على إعلان الإضراب العام والشامل في تاريخ 30 /3، احتجاجاً على ممارسات الاحتلال العنصرية، وهو ما استقبله الاحتلال بأعلى درجات العنف والإجرام عبر اجتياحه البلدات العربية بالدبابات والمجنزرات، التي أسفرت عن وقوع شهيد واحد تبعه 5 شهداء في اليوم التالي الذي عرف لاحقاً بيوم الأرض. إذا يعبّر الاسم - يوم الأرض - بشكل كبير عن المغزى الحقيقي لإحياء الذكرى، والتي تتمحور حول إعادة التأكيد على التمسك العربي والفلسطيني بحقنا التاريخي بكامل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ النكبة.
ولا يمكن فصل هذه الأحداث عن مجمل الظروف التي كانت سائدة آنذاك، كقوة وجذرية حركة التحرر العربية ووضوح أهدافها في استعادة جميع الحقوق العربية والفلسطينية المستلبة، فضلاً عن تضامن وتآزر غالبية حركات التحرر والتقدم العالمية مع القضية الفلسطينية ومع حركة التحرر العربية. كما كنا نعيش في عصر يشهد قطبين دوليين متناحرين حول جميع القضايا الدولية ومن ضمنها القضية الفلسطينية.
ولكن في هذه الأيام صار يتسم النضال الفلسطيني بالفردية والعشوائية نتيجة لمجمل الوضع الذاتي والموضوعي، الذي ينضح بالاستسلام والاستكانة للإرادة الأميركية عموماً وإرادة الاحتلال خصوصاً، فقد زال القطب العالمي الثاني منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، الأمر الذي قوى وعزز موقف الاحتلال. فعلى الرغم من كل التباينات الدولية وعلى رأسها الخلافات الأميركية الروسية إلا أنهما متوافقتان بصورة شبه كاملة على دعم الاحتلال، ليتلقى الأخير دعما لا محدودا من قبل المجتمع الدولي.
الأمر الذي ساهم بصورة نوعية في انهيار الوضع العربي حتى أصبح إعلان الأنظمة العربية بشكل رسمي أو غير رسمي -عبر وسائل الإعلام المحسوبة عليها- عن استسلامها الكامل لإرادة الاحتلال، وعن عزمها التطبيع مع الاحتلال اقتصادياً وسياسياً ورياضياً وثقافياً وأمنياً مجرد وجهة نظر لا تستدعي التخوين أو الاستنكار، بل على العكس أصبح بعض المثقفين أو المتثاقفين العرب يروجون للتطبيع كخطوة تقدمية وتحررية وانفتاحية على العالم وعلى الثقافات الأخرى، وكأنها جزء من مسار الديمقراطية والحرية الإنسانية! فلم يسلم النضال الشعبي الفلسطيني، بما فيه النضال السلمي فلسطينيا وعالميا من ترهات جزء كبير من الإعلام العربي والنخب العربية، كوصف حركة مقاطعة الاحتلال بالعمل أو بالحراك الرجعي وغير المنسجم مع مفاهيم العصر التقدمية، دون إبراز مكمن الرجعية في ذلك. كما تحولت جميع أشكال التصدي لقوات الاحتلال ولتعدياتها الدائمة بصورة فردية أو جماعية إلى أعمال إرهابية مدانة ضاربين عرض الحائط بجميع النصوص القانونية الدولية التي شرعت وأقرت حق الشعوب في الدفاع عن ذاتها وعن ملكيتها وكرامتها.
كما طاول الترهل والانهيار الوضع الرسمي الفلسطيني المتمثل في بنية وتوجه وتكوين السلطة الفلسطينية، التي تعبر وبكل وضوح وصراحة عن دورها في حماية الاحتلال من جميع ردات الفعل الفلسطينية، سواء الحاصلة جماعياً عند اقتحام قوات الاحتلال لبعض البلدات الفلسطينية التابعة نظرياً لسيطرة السلطة الفلسطينية، أو تلك الفردية كعمليات الطعن والدهس وما شابهها.
وعليه فقد تحولت وتغيرت الدلالات والمعاني السياسية والثقافية لغالبية المفاهيم ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، كالقدس التي أصبحت قدسين شرقية وغربية، والشعب الفلسطيني الذي تحول لمجموعات مختلفة ومتعددة لكل منها ظروفها ومآلاتها، مثل فلسطينيي 48 والقدس وغزة والضفة والعديد من تقسيمات اللاجئين، وهو ما انعكس على مفهوم العودة الذي تاه وشوه بشكل مقصود، عبر استبدال العودة للبلدات والمدن الأصلية بالعودة لمناطق سيطرة السلطة المزعومة، مما ساهم في تصاعد الأصوات الدولية الداعية لتهجير عرب 48 وعرب القدس إلى داخل حدود البلدات العربية الخاضعة نظرياً لسيطرة السلطة، كما ساهم في زيادة وتيرة دعوات توطين الفلسطينيين داخل دول الإقامة المؤقتة. وأخيراً لم يسلم مفهوم الأرض من التزوير والتخريب لتصبح الأراضي الفلسطينية شقين رئيسيين، أراضي 48 وأراضي 67، واللذين قد يتفرعان إلى العديد من الأقسام والجزئيات كالمناطق الخاضعة لسلطة رام الله، والمناطق الخاضعة لسلطة غزة، ومدينة القدس والبلدات التابعة لها، ليصبح لكل منهم حكايته وشؤونه ومستقبله. وهو ما يشكل تكثيفاً لمحاولات تدمير القضية الفلسطينية.
ولذا يصبح إحياء ذكرى يوم الأرض مناسبة لإحياء مجمل القضية الفلسطينية المغدورة، كيف لا، والأرض تمثل مرتكزاً لجميع حقوقنا ومنطلقاً وحيداُ للحل العادل.
انطلقت فاعلية يوم الأرض عام 1976 كرد فعل شعبي على عزم الاحتلال مصادرة آلاف الدونمات من الأراضي العربية ذات الملكية الخاصة والعامة، في إطار مشروع "تطوير الجليل" الذي كان عملياً مشروع تهويد الجليل. وذلك عبر مصادرة قوات الاحتلال لـ20 ألف دونم من أراضي عرابة وسخنين وعرب السواعد وغيرها من مناطق الجليل المحتلة في عام 1948، مما أدى إلى اتفاق لجنة الدفاع عن الأراضي واللجنة القطرية لرؤساء المجالس العربية على إعلان الإضراب العام والشامل في تاريخ 30 /3، احتجاجاً على ممارسات الاحتلال العنصرية، وهو ما استقبله الاحتلال بأعلى درجات العنف والإجرام عبر اجتياحه البلدات العربية بالدبابات والمجنزرات، التي أسفرت عن وقوع شهيد واحد تبعه 5 شهداء في اليوم التالي الذي عرف لاحقاً بيوم الأرض. إذا يعبّر الاسم - يوم الأرض - بشكل كبير عن المغزى الحقيقي لإحياء الذكرى، والتي تتمحور حول إعادة التأكيد على التمسك العربي والفلسطيني بحقنا التاريخي بكامل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ النكبة.
ولا يمكن فصل هذه الأحداث عن مجمل الظروف التي كانت سائدة آنذاك، كقوة وجذرية حركة التحرر العربية ووضوح أهدافها في استعادة جميع الحقوق العربية والفلسطينية المستلبة، فضلاً عن تضامن وتآزر غالبية حركات التحرر والتقدم العالمية مع القضية الفلسطينية ومع حركة التحرر العربية. كما كنا نعيش في عصر يشهد قطبين دوليين متناحرين حول جميع القضايا الدولية ومن ضمنها القضية الفلسطينية.
ولكن في هذه الأيام صار يتسم النضال الفلسطيني بالفردية والعشوائية نتيجة لمجمل الوضع الذاتي والموضوعي، الذي ينضح بالاستسلام والاستكانة للإرادة الأميركية عموماً وإرادة الاحتلال خصوصاً، فقد زال القطب العالمي الثاني منذ تفكك الاتحاد السوفييتي، الأمر الذي قوى وعزز موقف الاحتلال. فعلى الرغم من كل التباينات الدولية وعلى رأسها الخلافات الأميركية الروسية إلا أنهما متوافقتان بصورة شبه كاملة على دعم الاحتلال، ليتلقى الأخير دعما لا محدودا من قبل المجتمع الدولي.
الأمر الذي ساهم بصورة نوعية في انهيار الوضع العربي حتى أصبح إعلان الأنظمة العربية بشكل رسمي أو غير رسمي -عبر وسائل الإعلام المحسوبة عليها- عن استسلامها الكامل لإرادة الاحتلال، وعن عزمها التطبيع مع الاحتلال اقتصادياً وسياسياً ورياضياً وثقافياً وأمنياً مجرد وجهة نظر لا تستدعي التخوين أو الاستنكار، بل على العكس أصبح بعض المثقفين أو المتثاقفين العرب يروجون للتطبيع كخطوة تقدمية وتحررية وانفتاحية على العالم وعلى الثقافات الأخرى، وكأنها جزء من مسار الديمقراطية والحرية الإنسانية! فلم يسلم النضال الشعبي الفلسطيني، بما فيه النضال السلمي فلسطينيا وعالميا من ترهات جزء كبير من الإعلام العربي والنخب العربية، كوصف حركة مقاطعة الاحتلال بالعمل أو بالحراك الرجعي وغير المنسجم مع مفاهيم العصر التقدمية، دون إبراز مكمن الرجعية في ذلك. كما تحولت جميع أشكال التصدي لقوات الاحتلال ولتعدياتها الدائمة بصورة فردية أو جماعية إلى أعمال إرهابية مدانة ضاربين عرض الحائط بجميع النصوص القانونية الدولية التي شرعت وأقرت حق الشعوب في الدفاع عن ذاتها وعن ملكيتها وكرامتها.
كما طاول الترهل والانهيار الوضع الرسمي الفلسطيني المتمثل في بنية وتوجه وتكوين السلطة الفلسطينية، التي تعبر وبكل وضوح وصراحة عن دورها في حماية الاحتلال من جميع ردات الفعل الفلسطينية، سواء الحاصلة جماعياً عند اقتحام قوات الاحتلال لبعض البلدات الفلسطينية التابعة نظرياً لسيطرة السلطة الفلسطينية، أو تلك الفردية كعمليات الطعن والدهس وما شابهها.
وعليه فقد تحولت وتغيرت الدلالات والمعاني السياسية والثقافية لغالبية المفاهيم ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، كالقدس التي أصبحت قدسين شرقية وغربية، والشعب الفلسطيني الذي تحول لمجموعات مختلفة ومتعددة لكل منها ظروفها ومآلاتها، مثل فلسطينيي 48 والقدس وغزة والضفة والعديد من تقسيمات اللاجئين، وهو ما انعكس على مفهوم العودة الذي تاه وشوه بشكل مقصود، عبر استبدال العودة للبلدات والمدن الأصلية بالعودة لمناطق سيطرة السلطة المزعومة، مما ساهم في تصاعد الأصوات الدولية الداعية لتهجير عرب 48 وعرب القدس إلى داخل حدود البلدات العربية الخاضعة نظرياً لسيطرة السلطة، كما ساهم في زيادة وتيرة دعوات توطين الفلسطينيين داخل دول الإقامة المؤقتة. وأخيراً لم يسلم مفهوم الأرض من التزوير والتخريب لتصبح الأراضي الفلسطينية شقين رئيسيين، أراضي 48 وأراضي 67، واللذين قد يتفرعان إلى العديد من الأقسام والجزئيات كالمناطق الخاضعة لسلطة رام الله، والمناطق الخاضعة لسلطة غزة، ومدينة القدس والبلدات التابعة لها، ليصبح لكل منهم حكايته وشؤونه ومستقبله. وهو ما يشكل تكثيفاً لمحاولات تدمير القضية الفلسطينية.
ولذا يصبح إحياء ذكرى يوم الأرض مناسبة لإحياء مجمل القضية الفلسطينية المغدورة، كيف لا، والأرض تمثل مرتكزاً لجميع حقوقنا ومنطلقاً وحيداُ للحل العادل.