في الحرب الأهليَّة الكرديَّة العربيَّة

في الحرب الأهليَّة الكرديَّة العربيَّة

07 أكتوبر 2014

تظاهرة كردية عربية في القامشلي ضد نظام الأسد (23مارس/2012/أ.ف.ب)

+ الخط -

على خلاف البديهيَّة التاريخيَّة الرّاسخة حَول الانتفاضة الكرديَّة في القامشلي عام 2004، فإنَّ الفاعِل العميق لتحرُّك الكتل الأهليَّة الكرديَّة، آنذاك، لم يكن، بشكلٍ أساسي، من أجل قضيَّة الخلاص من الاستبداد ومسألة الحريَّات في دمشق، بل كان نتيجة تلقّي الأكراد والعرب القاطنين في منطقة الشمال السوري المفاعيل الإقليميَّة الناتجة عن الدخول الأميركي إلى العراق، وإزاحة نظام صدام حسين. طبعاً، هذا لا ينقص من دور نظام "البعث" العنصري في تراكُم الحنق والغضب، إثْرَ التمييز ضدَّ الأكراد، وتحويل الوجود الكُردي إلى قضيَّة قوميَّة سياسيَّة.

والحال، فإنّ الوعي القومي الكردي كان قد بدأ بالاشتداد والسّطُوع، نتيجة وضوحِ ملامح التجربة الكرديَّة العراقيَّة، سياسياً واقتصادياً. في المقابل، من الوعي القومي الذاتي العربي الذي كان قد أصيب بجرحٍ نرجسي غائرٍ في الصميم، وذلك لما كان يحتله الرئيس العراقي من مكانةٍ رمزيةٍ كبيرةٍ لدى عشائر منطقة الجزيرة الفراتيَّة.

ومما فاقَم الأزمة بين الجماعتين الكرديَّة والعربيَّة، وقتها، تدخُّل النظام السوري وحصره وسائل القوة والعنف بيد مكوّنٍ دون الآخر، ما فجَّر الاحتقان الأهلي على شكل انتفاضة كرديَّة شعبيَّة حادّة. كانت هنالك رغبة في إلحاقِ هزيمةٍ بالكردي السوري، لما حقّقه الكردي العراقي من مكاسب سياسيَّة بسيطة.

كان مبالغاً، آنذاك، تركيز النخبة المثقَّفة الكرديَّة على "العزلة الكرديّة الأبديَّة" و"خيانة العرب"، لأنَّ الحراك الكردي السوري، وقتها، لم يستطع أن يكون "وطنياً جامعاً"، بل تأسَّس، في العمق، بالتضاد الجوهري من "الهوية الوطنية السورية"، الطاردة والنابذة للكردي على مر التاريخ، لم يكن العرب في الجزيرة قادرين على أن يكونوا مع هذا الحراك الفئوي الخاص، لأنَّه كان في ملمحٍ من ملامحه، قاصداً العلاقة الخاصة بين العشائر العربية وجهاز حزب البعث، وقد كان موقّع هذه السطور شاهداً على هذا الانقسام الاجتماعي، إذْ إنَّ صور صدام حسين كانت مرفوعة من عشائر عربيَّة، كما رفع محتجون أكراد أعلام الولايات المتحدة الأميركية.

ربما يكون هذا السّرد التاريخي مَدخلاً لفهم بُعدٍ من أبعاد الصراع المندلع منذ عسكرة الثورة السوريَّة، بين "قوّات الحماية الشعبيّة الكرديّة" (الجزء الأساسي منها تابع لحزب الاتحاد الديمقراطي، الممثل الأيديولوجي والعسكري لحزب العمال الكردستاني في سورية)، ومقاتلي "تنظيم دولة الإسلام في العراق والشام" وغيرها من فصائل الإسلام العسكري، هذا الصراع الذي يأخذ شكل "حزب العمال- داعش" في بعض التحليلات، أو "نظام- ثورة" في تحليلات أخرى، يضمرُ، في جانبٍ مُتّسع من جوانبه، حرباً أهلية كردية- عربية نقيَّة، هي فصل من فصول الحرب الأهليَّة السوريَّة العامَّة، لا شكَّ أنَّها ستتطوَّر وتتَّسع، إن استمرَّت هذه الحال.

العامل الأساسي في رفد المقاتلين إلى كل من حزب العمال وداعش هو الخوف التاريخي المتبادل بين الجماعتين الأهليَّتين الكرديّة والعربية. غالبيَّة مقاتلي حزب العمال الكردستاني هم من الأكراد الذين يرون الحزب، الفصيل العسكري الوحيد القادر على مواجهة ازدياد النفوذ العربي في "داعش"، كما أن الغالبية المنضمَّة إلى تنظيم "داعش" هم من عرب عشائر المنطقة، لأنَّ التنظيم المذكور وحده القادر على إيجاد التوازن مع الوجود العسكري الكردي.

ولأنَّ الخزان البشري الأساسي لغالبيَّة المجموعات الأيديولوجية الشموليَّة، هي الشرائح المسحوقة، اجتماعياً واقتصادياً، أو ما يسمّى "البروليتاريا الرثَّة"، فإنَّ الحرب الأهلية الكرديَّة- العربيَّة، الآن، هي بين الشرائح الأكثر فقراً من العرب والأكراد. وهي حال الحرب الأهليَّة السوريّة الكبرى.

سقوط مدينة "كوباني" بداية خطيرة لاتساع الحرب الأهليَّة الكرديَّة العربيَّة، الحرب التي لن يسلم من نارها أحد، والتي سيدفع ثمنها الجميع.

دارا عبدالله
دارا عبدالله
كاتب سوري يقيم في العاصمة الألمانيّة برلين، من مواليد مدينة القامشلي عام 1990. له كتابان: "الوحدة تدلل ضحاياها" (صادر عام 2013) و"إكثار القليل" (صادر عام 2015). يدرس في كليّة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة "هومبولدت" في برلين. من أسرة "العربي الجديد" ومحرّر في قسمي المدوّنات والمنوّعات. يمكن التواصل مع الكاتب عبر الحسابات التالية: