في الحاجة إلى العقلانية النقدية

في الحاجة إلى العقلانية النقدية

16 نوفمبر 2015
+ الخط -
في خضم المناخ العام لواقعنا العربي المتسم بالتراجعات والانتكاسات، على مختلف المستويات والأصعدة، أصبحت الحاجة إلى طرح مفهوم العقلانية النقدية أمراً ملحاً، إذ لايمكننا التقدم إلى الأمام، إن لم ننتقد أخطاءنا وزلاتنا التي أصبحت تكبر يوماً بعد يوم، مثل كرة الثلج، فالنقاش النقدي العقلاني هو السبيل الوحيد لهدم أفكار وتصورات واعتقادات كثيرة خاطئة، والتعامل مع الموضوعات الجديدة، مادية كانت أم معنوية، بعين الفاحص الرصين.
ارتبط العقل العربي بالفضاء الذهني العام الخاضع للتقليد أساساً، كرد فعل على انتكاسة الحداثة والتفريط في التقدم، إذ أننا مستعدون لتبني الأفكار الذي تأتينا على مزاجنا في أية لحظة، ومستعدون لتركها وتبني أخرى في لحظة أخرى. وهذا ما يجعلنا نجنح إلى التقوقع الفكري والمحافظة وتوسيع دائرة التقديس على ماضينا التاريخي.
يقول المفكر المغربي، محمد عابد الجابري، في إحدى حوارته الصحفية، جوابا على سؤال أسس العقلانية النقدية التي يطرحها أفقاً لنا، نحن العرب الذين نعيش دوخة كبرى "ليست هناك عقلانية واحدة، بل أنواع من العقلانية تختلف باختلاف الحقل المعرفي الذي مارس فيه العقل فعاليته، فالعقلانية تقال في مقابل التجريبية، وهي تعني أن العقل هو أداة المعرفة الصحيحة، والعقلانية تقال، أيضاً، في مقابل الحرفية أو النصية في الميدان الديني، وهي تعني، هنا، أن العقل قادر على فهم ما يقرّره الدين، وعلى إضفاء المعقولية عليه. وبالتالي، الاعتقاد في عدم وجود تناقض بين العقل والدين. وهناك ما تسمى العقلانية التجريبية، ويقصد بها عقلانية العلماء الذين يمارسون العلم في المختبرات. وأخيراً، هناك العقلانية النقدية التي تجد مرجعيتها عند الفيلسوف الألماني كانط خصوصاً، وهي تهتم بنقد أسس المعرفة والياتها ونتائجها''.
ومن أهم التشبيهات التي يمكن تمثلها بعقل الإنسان، تلك البركة المائية التي تحتاج دوماً تجديد مياهها، لكي لا تصبح عكرة، وآسنة مع مرور الزمن. وإذا ما اضمحلت مياهها وركدت، فإنها تتعفن وتتلوث وتنمو بداخلها مختلف الأنواع الطفيلية الممرضة، وتصبح الحاجة إلى تحريكها وتدوير مياهها مطلباً مستعجلاً، لتفادي ما ينجم عنها من أمراض وأوبئة، قد تفتك بكل ما يحيط بها.
هكذا هو الفكر الإنساني، يحتاج دائما إلى التجديد والإبداع، وإلى حركة تغيير عقلانية، من أجل تحريك الأفكار المتخشبة في أذهاننا ونقدها، غير أن عديدين من بني جلدتنا ما زالوا يحملون بركا آسنة من المفاهيم المتحجرة التي جعلتنا نخلف الموعد مرات عدة مع التاريخ.







C889CE5C-4284-433F-9F64-4EAE58CA3FFC
C889CE5C-4284-433F-9F64-4EAE58CA3FFC
عبد الفتاح عزاوي (المغرب)
عبد الفتاح عزاوي (المغرب)