في أبويّة الدولة التونسية

في أبويّة الدولة التونسية

16 أكتوبر 2016
تتشبث الدولة برعاية الناس رغم فشلها (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
طرحت حالة واحة جِمْنة التونسية، وما صاحبها من جدل سياسي لم ينته بعد، أسئلة دستورية وقانونية وتاريخية على الدولة التونسية الحديثة، ووضعتها في اختبار حقيقي أمام أسئلة مرجأة منذ الاستقلال. وللتذكير بما حصل في هذه الواحة جنوب تونس، فقد أقدمت مجموعة من مواطني هذه القرية الشهيرة بواحاتها وتمورها، على تأسيس جمعية مدنية بعد الثورة، تولت إدارة ضيعة من النخيل، خلفت مستثمرين كانوا يدفعون مبالغ هزيلة للدولة التونسية المالكة للأرض، وتحوّلت مداخيل هذه الواحة من بضعة آلاف إلى مئات آلاف الدولارات، تم استثمارها في طرقات ومدارس المدينة، ودعم جمعيات تعنى بالمعاقين وبالثقافة. ولكن الحكومة التونسية انتفضت وطالبت باسترجاع الأرض وتطبيق القانون، بينما تحوّلت كل المعارضة إلى قوة داعمة لجمنة وأهاليها.

وبقطع النظر عن الجدال القانوني، وعن الحلول الممكنة لفض نزاع جِمْنة، وهي في طريقها إلى ذلك كما يبدو، فقد جاءت هذه التجربة لتسأل الدولة التونسية، إذا ما كانت مستعدة فعلاً للتخلص نهائياً من أبوّتها أو أمومتها، وتقتنع أن شعباً ثار، ويريد أن يتولى إدارة مصالحه بنفسه، وأن يرعى شؤونه اليومية من دون أن ينتظر إذناً منها، لأنه أعرف وأقدر وأقرب منها إلى ذلك، والغريب أنه كان أنجح بمسافات ضوئية في جِمْنة بالذات، وفي تجارب أخرى لم يسلط عليها الضوء إلى الآن، مثل حيّ التضامن وسط العاصمة تونس.

ولكن المستعجل، هو أن تونس تستعد لانتخابات بلدية أو محلية قريبة، إذا تمت، ستغيّر وجه البلاد، ولعلها ستغيّر كل شكل الدولة، إذ يفرض الدستور أن تتولى المدن والأقاليم شؤونها ووضع خطط تنميتها وإدارة ميزانياتها باستقلالية عن المركز. ولكن الغريب أن كل الأحزاب ترجئ بشكل مستمر هذه الانتخابات، ما يقود إلى استنتاج أكيد حول تشبث الدولة برعاية الناس، على الرغم من فشلها التاريخي الذي أدى إلى قيام ثورة، ولعلها تخشى أن تفقد هويتها كأب، يبحث أبناؤه عن حياة جديدة، ولعلهم يلجأون أمام تعنته إلى "قتل الأب".

دلالات