فيلم "ميدان" يُؤرِّخ للثورة الأوكرانية في "كان"

فيلم "ميدان" يُؤرِّخ للثورة الأوكرانية في "كان"

24 مايو 2014
تأريخ "وثائقي" للثورة الأوكرانية (getty)
+ الخط -

انضم المخرج البيلاروسي سيرجي لوزنيتسا، الذي نشأ في كييف، إلى الحشود التي كانت تتظاهر كلّ يوم في ساحات كييف. كانت الحشود في البداية سلمية خلال أسابيع، قبل أن تُقمَع ويتحوّل مشهدها إلى حمام دم.

اختار هذا المخرح السينمائي أن يُصوِّر الحشود الثابتة. لا تعليقات ولا كلام. مجرد كرتونات متقشّفة للتذكير ببعض الوقائع، لا وجود لزعماء في الصورة، ولا حوارات سياسية. لم يغادر المخرج السينمائي ساحة الاستقلال حيث كان يتقرّر مصيرُ أوكرانيا، المُحاصَرة ما بين الرغبة في الانضمام إلى أوروبا والحقد على الرئيس الفاسد وقَدَمِ الدبّ الروسي التي تريد الاحتفاظ بها بين براثنها.

يعترف المخرج بأنّ الجوّ المنشرح الذي ساد في الأيام الأولى في "الميدان" كان من الرّاحة والدينامية "بحيث إنّ المرء كان يحسّ بنفسه كأنّه في بَطن أمّه. ولَمْ أَرَ من قبلُ مثلَ هذا التضامن والروح الرفاقية ولا مثل روح الحرية هذه".

حشود هائلة متعدّدة الألوان، ومن كلّ الأعمار، وهي تطلق شعاراتها وهتافاتها، تتحدّث فيما بينها، وتنام في أكياس نوم. تنبثق أعلام أوكرانية، وبعد قليل تظهر متاريس.

تفاصيل كثيرة تجذب الانتباه، من بينها النشيد الوطني الفرنسي وهو يُعزَف على إيقاعات المزامير والدفوف، نيون الماركات الغربية وهي تُضيء هذه الساحة التي ترتفع منها صيحات غضب لا تتوقف في جوّ احتفالي يقطعُهُ صدى الصلوات. استعداداً لحصار طويل، تَراكمت المؤونة، فكانت المَطابِخ الميدانية تعمل من دون توقف وتُطعِم أنصار "الميدان" وخصومه أيضاً.

بعد الفترة السلمية جاء تصويت الحكومة على قوانين قمعية، فازداد عدد محتلّي الميدان وتعزّزت قوّتهم وكَبُر إصرارُهُم. فكان النشيد الوطني الأوكراني يخرج من أعماق المحتجّين في البرد القارس. وساهم تصلّب موقف السلطة المنبوذة وانتشار قوات الشرطة في قلب الوضع، فبدأت الحجارة تنهمر وسُمِعَ إطلاق النار، اقْتُلِعَت البلاطات من الساحة وبدأ الكوكتيل مولوتوف يُمطِر. انتهى الاحتلال السلمي وأصبحت المواجهةُ قَدَراً مُقدَّراً.

هنا مارس المخرج السينمائي عمله، فقد وجَدَ نفسَه في قلب البركان، فبدأ تصوير غموض الوضعية والفوضى العارمة. وأصبحت ساحة "الميدان" حقل معركة في جوّ انفجاري يشبه حرب شوارع. والمشاهد الثابتة التي يقدمها لنا سيرجي لوزنيتسا، من خلال شريط صوت آتٍ من الجحيم، تكشف عن فعالية رهيبة.

في منتصف شهر فبراير/شباط عِيلَ صَبرُ الشعب الأوكراني فقرّر الزحف إلى البرلمان. وتحوّل الميدان إلى نار. مَشاهِد كارثية من الأنقاض والرماد والخراب. ووسط هذا الجنون يوجد المُخرِج مُفارقة عجيبة من خلال حضور عازف على آلة نفخ موسيقية في هذا المشهد.

ورغم الحضور المستمر للمخرج السينمائي في عين المكان ورغم رؤيته الرصاصات الحية وهي تُزهق الأرواح، فقد قرر ألا يُظهرَها. ستنتهي المواجهة بسقوط مئات بل آلاف من الجرحى ومئات من المختفين. وبذكاء ينتهي الفيلم باحتفال جنائزي على ساحة "الميدان"، تتخلّله صلوات وأناشيد مأتمية، في هدوء معبّر عن العزّة والكرامة. تابوتٌ يَشُقّ الحشود.

يخال مُشاهِد هذا الفيلم الذي يستغرق ساعتين أنّه عايش كلّ مجريات الأحداث في ساحة "ميدان" أي أنّه عايَش هذه الثورة، ولاَمَس غضب الشعب وقلقه وشكوكه حول مجريات الأحداث. ويريد المخرج سيرجي لوزنيتسا أن يقول لنا إنّ الشعب المتظاهر في ساحة "الميدان" هو الصانِع الأكبر للثورة والفاعِلُ الرئيس لمستقبل أوكرانيا الأوروبية الهوى، شاء فلاديمير بوتين أم أبى.

 

المساهمون