Skip to main content
فيضانات اليمن... عشرات القتلى وآلاف المشردين
زكريا أحمد

لم تعد الأوبئة والمجاعة والقتال وحدها ما يؤرق حياة اليمنيين، فالفيضانات الأخيرة تصدرت لائحة الأزمات، بعدما أدت إلى مقتل مواطنين وتشريد آخرين

سجلت السلطات اليمنية مصرع خمسة وأربعين شخصاً على الأقل، بالإضافة إلى عدد من المفقودين، من جراء سيول الأمطار التي تحولت إلى فيضانات في عدد من مدن اليمن، في اليومين الماضيين. وبينما أدت الفيضانات إلى تشريد الآلاف، ما زال الخطر محدقاً بمئات الأسر في عدة مدن، خصوصاً بعد فيضان سدّ مأرب التاريخي، للمرة الأولى منذ 34 عاماً، وانهيار سد آخر في محافظة عمران.
تفاوتت أسباب الوفيات من مدينة إلى أخرى، ففي حين انهارت منازل على رؤوس سكانها في العاصمة صنعاء وفي عمران، انهارت صخور عملاقة على مركبات بالطرقات الرئيسية بمحافظة إب، ما أدى إلى تدميرها بالكامل وسقوط قتلى وجرحى. 

لجوء واغتراب
التحديثات الحية

وكانت محافظة مأرب، شرقي البلاد، هي الأكثر تضرراً من المياه، بعد فيضان السد، وذلك بتسجيل 17 قتيلاً، من بينهم 8 أطفال، و9 من كبار السن، أحدهم مات بصاعقة، فيما تم تسجيل 16 وفاة في الحديدة، وتوزعت باقي الأرقام على صنعاء وإب. وفي هذا الإطار، قال مصدر طبي لـ"العربي الجديد"، إنّ السيول جرفت بعض المركبات في مديريات مأرب، وتسببت بعدد من القتلى، لكنّ العدد الأكبر من الضحايا كان من جراء السباحة في الأماكن الخطأ.
وبات النازحون هم الشريحة الأكثر تضرراً من السنة المطيرة في اليمن، فبعدما حاولوا الفرار من محافظات صنعاء والجوف وحجة إلى مأرب بحثاً عن الأمان، بسبب الحرب المستمرة في اليمن منذ عام 2015، جاءت السيول لتقتلع خيامهم وتلقيهم في العراء مرة أخرى.
من جهته، قال رئيس الوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين نجيب السعدي، لـ"العربي الجديد"، إنّ آخر الأرقام المسجلة كشفت تضرر 1340 أسرة، من إجمالي 4871 أسرة بمحافظة مأرب. وأشار إلى أنّ السيول دمرت مخيمات 430 أسرة كلياً، و1000 أسرة جزئياً، فضلاً عن إتلاف كلي للمواد الغذائية والإيوائية الخاصة بـ900 أسرة. وبحسب المسؤول الحكومي، ما زالت هذه الإحصاءات أولية حتى نهار أمس، الثلاثاء، فيما الفرق الميدانية تواصل العمل من أجل تقييم الأضرار النهائية، وسط استمرار المخاطر وهطول الأمطار.
في ريف العاصمة صنعاء، توفيت امرأتان وطفل، ليل الإثنين، من جراء انهيار منزل بمنطقة وادي ظهر التي تمتاز بمنازلها الطينية العتيقة، ودائماً ما تكون هذه البيوت عرضة للانهيارات في حال غزارة الأمطار. وباتت الأمطار أشبه بمعركة جديدة تشنها الطبيعة هذه المرة وليس البشر، وقال سكان محليون في صنعاء القديمة، لـ"العربي الجديد"، إنّهم تركوا منازلهم الطينية خشية من انهيارها على رؤوسهم، وحملوا أطفالهم باتجاه مناطق آمنة بعد حدوث تشققات في معظم المنازل.

وأطلقت الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية، أمس الثلاثاء، نداء استغاثة جديداً إلى كلّ العالم بمنظماته الدولية، وفي مقدمتها منظمة "يونسكو" ومراكز التراث العالمية لإنقاذ مدينة صنعاء التاريخية التي تعرضت بعض مبانيها لانهيارات بسبب استمرار هطول الأمطار. وتخشى الهيئة من خطر وجودي يهدد مدينة صنعاء القديمة التي صمدت لمئات السنين، في أيّ لحظة، مع استمرار مخاطر الأمطار. ولم يحدث سابقاً أن تسببت الأمطار في اليمن بانهيار السدود العملاقة، أو فيضانها كما حدث مع سد الرونة، في محافظة عمران، الذي انهار بشكل مفاجئ من جراء تدفق السيول، مساء الإثنين الماضي. وتبلغ سعة سد الرونة التخزينية 252 ألف متر مكعب، وتسبب تدفق السيول بانهياره باتجاه المناطق السكنية والزراعية في قاع حبابة ووادي ضيّان ومدينة عمران، وصولاً إلى قاع البون. وبحسب مدير مكتب الزراعة بعمران، حمير الجبلي، لم تقع أيّ خسائر بشرية من جراء فيضان السد، لكنّ السيول أدت إلى تدمير خمسة منازل، وجزء من سور المدينة القديم، فضلاً عن تجريف عشرات الهكتارات من المحاصيل الزراعية، فيما تم إجلاء ثلاثين أسرة على الأقل من مجرى السيول. 
فيضان سدّ مأرب كان المفاجأة التي لم تحدث منذ 34 عاماً، وفيما أرجع مراقبون السبب إلى مشاكل وعيوب، منها عدم وجود نظام ري وإغفال مشكلة الترسبات، أكد مدير مشروع السد، المهندس أحمد العريفي، أنّ الفيضان طبيعي. وقال العريفي في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، إنّ الطاقة الاستيعابية للسد هي 400 مليون متر مكعب، وفيضان المياه هو نتاج طبيعي جراء التدفق الكبير للسيول من مأرب والبيضاء وأجزاء من ذمار. وأشار إلى استمرار فيضان السد خلال الأيام المقبلة باتجاه وادي البلق، والمناطق الزراعية في محافظة مأرب التي تشتهر بأنّها سلة اليمن الغذائية.
وتبدو السلطات الرسمية عاجزة عن مواجهة التحديات التي خلفتها الأمطار، ففي حين اكتفت الحكومة المعترف بها دولياً بإصدار توجيهات لتنفيذ حلول عاجلة للمخاطر المحتملة من جراء استمرار تدفق السيول الخارجة من سد مأرب وتكثيف الجهود لإغاثة المتضررين، دعت جماعة الحوثيين هي الأخرى، لتشكيل لجان لمعرفة أسباب انهيار السدود والطرقات الرئيسية.
وذكر محافظ مأرب، سلطان العرادة، أنّه تمّ فتح طرقات وممرات آمنة للمتضررين من سيول الأمطار والعواصف بمديرية صرواح، بعد ارتفاع منسوب مياه سد مأرب وفيضانها. وفي المقابل، أعلن القيادي الحوثي، محمد علي الحوثي، أنّه ستتم مساءلة المقاولين والمنفذين والمهندسين لمشاريع السدود والطرقات، في حال أثبتت التحقيقات وقوع الانهيارات بسبب خلل فني ناتج عن قصور في التنفيذ.

وما زال الخطر محدقاً، فقد توقع المركز اليمني للأرصاد، أمس، استمرار حالة "عدم الاستقرار" في الأجواء، مع هطول أمطار متفاوتة الشدة على أجزاء واسعة من البلاد، خلال الـ24 ساعة المقبلة. وتوقع المركز، في بيان صحافي اطلعت عليه "العربي الجديد"، هطول أمطار متوسطة إلى غزيرة مصحوبة بالعواصف الرعدية والرياح شديدة السرعة على محافظات صعدة شمالاً إلى تعزّ ولحج جنوباً، وخصوصاً على محافظات المحويت، وحجة، وصعدة، وعمران، فضلاً عن الهضاب الداخلية والمناطق الصحراوية لمحافظات المهرة، وحضرموت، وشبوة، وأبين، ومأرب، والجوف. ووفقاً للمركز، فقد سجلت محطات الرصد أكبر كميات أمطار خلال الساعات الماضية، في صنعاء بمعدل 6.5 ملم، تليها المهرة بـ5.8 ملم، لافتاً إلى هطول أمطار رعدية خارج نطاق محطات الرصد.

انهيارات في سور صنعاء
أشارت الهيئة العامة للمحافظة على المدن والمعالم التاريخية، في اليمن، إلى وقوع انهيارات جزئية لجدران الدعم والأسقف في سور مدينة صنعاء الشمالي والجنوبي. وسُجلت صنعاء القديمة، المأهولة بالسكان منذ أكثر من 2500 سنة، في قائمة التراث العالمي عام 1986، وتمتاز منازلها بأنّها مبنية من المواد الطبيعية، مثل الحجارة والطين والآجر والأخشاب.