كما في كل بلد، خرج الناس في تونس يدافعون عن أوطانهم، ولأنهم يعرفون أن يد الدولة قصيرة، أطلق ناشطون حملة على "فيسبوك" باسم "متطوعون ضد كورونا" التزم فيها كل منهم شخصياً بالتطوّع لدعم الجهود التي تحتاج إليها الدولة في أي مكان. ويطالب التونسيون دولتهم بفتح حساب مصرفي لجمع التبرعات ودعم موازنة وزارة الصحة، فيما أعلن نواب في البرلمان عن التبرع بجزء من معاشاتهم. هذا نصف الصورة الجميلة، لأن نصفها الآخر هو استغلال المضاربين الأزمة وآلام الناس، ورفع التسعيرات والتلاعب بحياة التونسيين. وكما في كل أزمة وفي كل امتحان، يعود بعض الناس إلى فطرتهم وإنسانيتهم الحقيقية، بينما يذهب آخرون إلى الداكن والمظلم فيهم، لا تعنيهم تداعيات الأزمة بقدر ما تهمهم مكاسبهم التجارية والسياسية.
وبقدر ما كشف كورونا أن العولمة حقيقة وأن الكون قرية صغيرة بالفعل، بقدر ما دفع أحياء هذه القرية، دُولها، إلى الانكماش مجدداً وغلق الحدود. وذهب الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي، إدغار موران، في مقال نشره قبل أيام في جريدة ليبيراسيون الفرنسية، إلى اعتبار أن هذا الفيروس يعكس أزمة كونية جديدة تضاف إلى الأزمة الإنسانية الكونية في زمن العولمة. ولكننا ما زلنا نواجه تداعياته بمقاربات ومجالات منفصلة، فكل دولة تغلق على نفسها، ولم تقترح الأمم المتحدة بعد تحالفاً كبيراً كونياً بين الدول، متسائلاً إذا كان ثمن هذه الغفلة العامة والقصور في العقليات التي تفصل ما هو مترابط أصلاً هو سقوط ضحايا إضافيين. وأضاف موران في هذا المقال الذي عنونه بـ"ماذا يقول لنا كورونا" أن هذا الفيروس يكشف لنا ما كان خافياً في العقليات الضيقة المتشكلة في أنظمتنا التربوية، تلك العقليات المسيطرة لدى النخب التكنو-اقتصادية المالية، ويكشف لنا تشابك عالمنا الإنساني في الاعتماد والتضامن المتبادلين في المجالات الصحية والاقتصادية والاجتماعية، وفي كل ما هو إنساني وكوني. فهذا الفيروس الذي نشأ في مدينة صينية بعيدة، تنقّل من نَفَس إلى نَفَس ومن يد إلى يد، وسار على الطريق، وركب الباخرة، والطائرة، وانتقل من أرض إلى أرض، من السعال إلى اللعاب. وتوغّل هنا وهناك، وانتشر في أوروبا. وامتدت العدوى إلى الجميع.
واستشهد موران بالبروفيسور ايريك كوماس الذي يعتبر أن السياسيين سيذهبون بردود فعلهم تجاه الفيروس إلى أزمة اقتصادية جديدة ولكن نتائجها ستكون إيجابية على النظام الإيكولوجي، وهي مفارقة عجيبة ومعقّدة أن تقود الأزمة الاقتصادية إلى انفراج إيكولوجي. ولكن كورونا، على الرغم مما يسبّبه لنا من آلام، يذكّرنا ويعيدنا إلى عدد من الحقائق الأساسية.