فوضى الإشاعات والأخبار الزائفة تُربك السلطات التونسية

فوضى الإشاعات والأخبار الزائفة تُربك السلطات التونسية

25 مارس 2020
أدت الإشاعات لمخاوف لدى التونسيين على مصيرهم (ياسين قايدي/الأناضول)
+ الخط -


عرفت تونس خلال الأيام القليلة الماضية ارتباكاً واضحاً على مستوى قيادة البلاد، رئاسة وحكومة وبرلماناً، واهتزازاً ملحوظاً بين مختلف السلطات المسؤولة عن محاربة وباء كورونا، غذّاهما تفشي الإشاعات والأخبار الكاذبة، وتعززا بتداول أنباء الاستقالات بين صفوف كبار المسؤولين الحكوميين وفي المؤسسة الأمنية.
وعاش التونسيون حالات من الهلع والفزع طيلة أيام، بسبب تواتر الإشاعات والأخبار الزائفة حول انتشار غير مسبوق للوباء وتناقل أرقام مغلوطة عن أعداد المصابين والوفيات، كما بلغت الإشاعات ذروتها بتداول أنباء عن استقالة رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ ووزراء، إلى جانب استقالات في مؤسسة رئاسة الجمهورية والقيادات الأمنية. وشوشت الإشاعات بشكل لافت على خطاب الرئيس التونسي قيس سعيّد، لتعرف ذروتها قبيل بيان الفخفاخ ليلة السبت الماضي.

وتجاوزت الإشاعات فضاءات التواصل الاجتماعي إلى الصحف الإلكترونية، حتى أن الأخبار الزائفة لم تقف عند العامة والمدونين، بل أصبحت مادة تناقلها صحافيون ونواب وسياسيون، من دون التثبت من مصادرها، على غرار ترويج استقالة آمر قوات الحرس الوطني العميد محمد علي بن خالد، من منصبه، ما أدخل الارتباك والتخوف في صفوف التونسيين حول الأسباب والخفايا، خصوصاً بعد انتشار خبر استقالة محمد صالح الحامدي الوزير المستشار برئاسة الجمهورية المكلف بالأمن القومي.

وفي هذا السياق، نفت الرئاسة التونسية ما تم تداوله حول استقالة عدد من كبار المسؤولين الأمنيين والعسكريين في الدولة، مشيرة إلى أن ما راج بهذا الخصوص عارٍ عن الصحة. ودعت مستشارة شؤون الإعلام والاتصال في رئاسة الجمهورية، رشيدة النيفر، في تدوينة لها على صفحتها في "فيسبوك"، إلى عدم تصديق الإشاعات، التي قالت إنها تريد إدخال البلبلة بين التونسيين، مطالبة بضرورة "توحيد الصفوف لمقاومة وباء كورونا"، بحسب قولها.
وخلال اجتماع سعيّد، الأحد، بالفخفاخ ووزير الدولة المكلف بالوظيفة العمومية والإصلاح الإداري ومكافحة الفساد محمد عبو، تم التأكيد أن بث الإشاعات والحط من معنويات الجيش يعدان أيضاً من الجرائم التي يعاقب عليها القانون.

من جهته، كذّب المتحدث الرسمي باسم الإدارة العامة للحرس الوطني حسام الجبابلي، خبر استقالة آمر الحرس الوطني، مشيراً إلى أن ما تم تناقله بهذا الخصوص هو مجرد إشاعات. وقال الجبابلي على صفحته الرسمية: "رجال الحرس الوطني لا يستقيلون بل يموتون بالرصاص في الميدان، تهيب الإدارة العامة للحرس الوطني بكافة وسائل الإعلام الوطنية ومنصات التواصل الاجتماعي المسؤولة والجادة وجميع المواطنين، تفادي الانسياق وراء الإشاعات المغرضة والأخبار الزائفة التي تستهدف سلك الحرس الوطني قيادة ومؤسسة". وأضاف: "تؤكد أن قنواتها الرسمية مفتوحة للجميع كمصدر متّفق عليه وموحد للخبر في إطار الحق الدستوري والدوري في النفاذ للمعلومة، كما تحتفظ بحقها القانوني في التتبعات العدلية ضد كل من يتجنّى على السلك ورموزه، ويؤتي مثل هذه الممارسات المذكورة، خصوصاً في ظل هذا الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد".
وأكدت وزارة الداخلية في بيان لها أنه تمّ القبض على مستغلّ صفحة إلكترونيّة على موقع "فيسبوك"، تعمّد من خلالها نشر أخبار زائفة تتعلّق باستقالة قيادات أمنية ومسؤولين في الدولة، وهو ما من شأنه المسّ باستقرار البلاد وزعزعة أمنها، وتم حجز هاتفه الجوّال وحاسوبه المحمول.

وفي السياق نفسه، دعت لجنة أخلاقيات المهنة في النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين في بيان رسمي، إلى شطب أسماء ثلاثة صحافيين من دفاترها وسحب بطاقاتهم، بسبب تعمّدهم نشر أخبار كاذبة ومضللة لخداع الرأي العام في وقت تعيش البلاد على وقع حظر تجول ووضع استثنائي بسبب تفشي فيروس كورونا.


وقال الوزير السابق، النائب مبروك كورشيد، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه تم طرح قانون أمام البرلمان لتجريم مروجي الإشاعات ومحاربة الأخبار الزائفة، يتضمّن عقوبات جزائية سالبة للحرية لمرتكبيها ومتعمدي نشر الأخبار المغلوطة. ولفت إلى أن هناك أخباراً زائفة تستهدف الأمن القومي للبلاد ويراد منها زعزعة الاستقرار والمسّ بالنظام والأمن العام، ويتعمّد مروجوها بث الفزع والهلع والبلبلة في صفوف التونسيين لأهداف سياسية ومآرب إرهابية، على حد وصفه، مضيفاً أن هناك أيضاً مستفيدين لأسباب اقتصادية أيضاً من المحتكرين والمضاربين والمهربين الذين يستغلون فترات الحروب وعدم الاستقرار الأمني.

وأضاف كورشيد أنه يجب التعامل بشكل صارم مع هؤلاء وتطبيق القانون بحزم وقوة، من أجل فرض الاستقرار واحترام القانون حتى تتمكّن الدولة من تطبيق الإجراءات التي تخدم مصالح المواطنين، مؤكداً أن محاربة الأخبار الزائفة مسؤولية مشتركة بين الجميع، برلماناً وحكومة وقضاء وأمناً وإعلاماً ومجتمعاً مدنياً، وذلك لإيقاف نزيف الأخبار المغلوطة والإشاعات التي تربك أي مجهود وطني أو محاولات لإنقاذ البلاد.

وتفاقمت المخاوف لدى التونسيين خلال الفترة الأخيرة حول مصيرهم، على الرغم من خطابات الأمل والطمأنة التي حاول سعيّد والفخفاخ بثها عبر البيانات والخطابات منذ تفشي وباء كورونا. وتعمّقت هواجس المواطنين بسبب الوضع الاستثنائي وغير المعتاد الذي يفرض عليهم البقاء في بيوتهم، وغموض ما يدور في الكواليس من خلافات بين قيادة البلاد بسبب النزاع بين رئاسة الجمهورية والبرلمان والحكومة حول الصلاحيات حتى في فترة الحرب على وباء كورونا الخطير.

وفسر المحلل السياسي عبد المنعم المؤدب، في حديث لـ"العربي الجديد"، أسباب تفشي الإشاعات والأخبار الزائفة بالفراغ الاتصالي وضعف التنسيق بين قيادة البلاد حول الحضور الإعلامي في زمن الحرب على وباء كورونا. ولفت إلى أن قيادة السلطات التونسية لم تتخلص بعد من خلافاتها الدستورية واختلافاتها السياسية حتى خلال انتشار الوباء الذي قد يأكل الأخضر واليابس، وهو ما سمح للإشاعات بالتسرب والتغلغل في صفوف التونسيين الذين تملّكهم الخوف والهلع في هذه الفترة الحالكة من تاريخ البشرية، وسط ضعف إمكانيات الدولة والمصير المجهول الذي ينتظرهم وأمام قيادة سياسية حديثة العهد بالحكم ولا تمتلك تجربة في ظل أوضاع طبيعية، فما بالك خلال فترة الحرب على عدو مجهول وغير معلوم.

ورأى أن قيادة البلاد يجب أن تتحلّى بالوضوح والشفافية والثقة واحترام المواعيد والالتزامات، خصوصاً مواعيد تقديم البيانات الحكومية والرئاسية ومواقيت مخاطبة الشعب الذي ينتظر بفارغ الأمل والصبر أخباراً مطمئنة فيجد نفسه في المقابل وخلال ثلاث مناسبات متتالية فريسة تأجيل المواعيد من دون سابق إشعار أو إنذار، وهو ما هز ثقة التونسيين في رؤسائهم وقادة المعركة، إذ يُعد رصيد الثقة والتضامن الإنساني والتآزر رأس المال الأساسي للدولة في هذه الحرب المفتوحة.

دلالات

المساهمون