فواتير محمد علي

فواتير محمد علي

28 يناير 2020
+ الخط -
حين تكون لديك معلومات، فأنت لا تحتاج إلى قنوات وتمويلات وإعلاميين وإعلاميات، ومقدّمات نارية. أنت فقط تحتاج إلى كاميرا موبايل، و"أي أحد" سيقوم بالمهمة.. انتهى المقاول والممثل محمد علي من أداء مهمته، بنجاح، وحقّق ما أراده له صانعوه، بالضبط، وأغلق الستار على مسرحية من فصلٍ واحد بمشهد "فينال" معقول، يكسب فيه الجميع، ولا يخسر سوى من صدّقوا بالفعل أن محمد علي معارض عفوي، لا يقف وراءه أحد، ولا يحرّكه أحد. رفضت ذلك منذ الفيديو الأول، في مقالتين في هذه الزاوية في "العربي الجديد"، بالعنوانين "شارع محمد علي" و"هل فشل محمد علي؟". وكانت الفكرة الأساسية التي حرصت على تكرارها أن محمد علي جزء من معارك رجال الدولة بعضهم مع بعض، لا هو جزء من ثورة، ولا هو بطل شعبي.
محمد علي "ممثل" لمصالح غيره، "مقاول" من الباطن، تنتهي مهمته عند تحصيل هذه المصالح، وإتمام المقاولة، وقد كان.
الآن، نقف أمام تفاصيل المشهد، ونحاول مذاكرته، لعلنا نحسن التعامل مع "المقاول" القادم، ما حدث خلافٌ حول تقسيم الكعكة. لم يعد عبد الفتاح السيسي يحتاج إلى كل رجاله. استفرد بالبلد، وأحكم قبضته، وتجاوز كونها شركة عسكرية مساهمة إلى اعتبارها تجارة الحاج عبدالفتاح السيسي وولده. أخرج منافسوه عروسةً من جراب الحاوي، وبدأوا في مناكفته. قاوم قليلا، وخرج عمرو أديب يتوسّل للناس ألا يستجيبوا لدعوات النزول. الآن يتوسّلون لأن المعركة حقيقية، وليست مفتعلة مثل معاركهم اليومية، والمفتعلة، مع الإخوان المسلمين، تلك التي يستخدمها الطرفان. حدث من الشد والجذب ما لا نمتلك عن تفاصيله معلومات دقيقة، لكننا، الآن، نرى نتائجه بشكل واضح. رضخ السيسي، نزل على ركبتيه، فلا أحد ينطح الصخر في لعبة السلطة، خرج سامي عنان من السجن، معزّزا مكرما، عاد محمود حجازي إلى موقعه في إدارة ملف الإعلام، فشل مشروع توريث نجل السيسي، في مهده، وتمّت إزاحته، لا عن موقعه القيادي فحسب، بل عن البلاد بأكملها، تمت إطاحة كل معاونيه ورجاله، واستبدالهم. إجراءات صارمة، وعنيفة، ومهينة لغرور الجنرال، حتى لا يكرّرها، هذه هي الأرقام الواضحة التي دفعها السيسي لخصومه، رغم أنفه، ناهيك بأرقام أخرى لن تتضمّنها "الموازنة".
كسب السيسي استمراره في السلطة، كسب واستثمر في إحباطات الملايين التي صدّقت أن ثمّة حراكا وعادت بخفي "الشرق" و"مكملين". كسب سامي عنان، وعاد إلى بيته. كسب محمود حجازي، وعاد إلى منصبه. كسب رجالهما وعادوا جميعًا. وطبعا كسب محمد علي، فمثله لا يُغلب في مقاولة، فماذا كسب المهللون والمكبرون، وماذا كسبت قيادات "الإخوان"؟ أما المهللون، فهم، دائما وأبدا، وقود المعارك، ويبدو أنه لا سبيل لإقناعهم بالتوقف عن حني ظهورهم، طواعية، ليركب الكبار. وأما "الإخوان"، وأعني قيادييهم الذين أداروا المشهد من إسطنبول، واستضافوا "المقاول" على شاشاتهم، وساهموا في حشد الناس وراءه في المرّة الأولى، وساهموا في تفتير همهم في المرّة الثانية، هؤلاء ماذا كسبوا؟ الإجابة السهلة أنهم لم يكسبوا، أغبياء، غلابة، جرى استخدامهم، مثل كل مرة. لم تعد هذه الإجابة مفهومةً ولا معقولة، ولا مقبولة. "الإخوان" الذين استخدمهم ضباط "23 يوليو" لثورنة انقلابهم، والذين استخدمهم أنور السادات للانقلاب على رجال جمال عبد الناصر، والذين استخدمهم حسني مبارك غير مرة، في ملفات محلية، وإقليمية ودولية، لا يمكن أن يكونوا قد أخذوا الصفعة ألف مرة، على حين غرّة، هؤلاء يفعلونها وهم يعلمون، ويكسبون. من المهم أن يتساءل الجميع، فليس دور الناس أن يصدّقوا ويموتوا فحسب. يرفض "الإخوان" أن يتحولوا إلى مقاول أنفار للثورة من دون مكاسب. هكذا كانوا يخبروننا، لكنهم يقبلون ذلك طوال الوقت مع السلطة، فما المقابل؟ وهل هو في صالح الصف الذي يدفع من دمه ومن دخله، أم أنه مثل تمويلات القنوات، حصريًا للسادة من دون العبيد؟ ليس مشهد محمد علي مهينا، في ذاته، المهين أن يسمح من صدّقوه بتكراره، اسألوا تصحّوا.