فن الفسيفساء... فتية تونسيون يتقنون الحرفة ويعتاشون منها

فن الفسيفساء... فتية تونسيون يتقنون الحرفة ويعتاشون منها

06 يونيو 2020
بات يتقن فن الفسيفساء (العربي الجديد)
+ الخط -
يعدّ فن الفسيفساء من الفنون التقليدية والتي ما زالت تشهد إقبالاً في تونس. واللافت أن بعض الفتية يقبلون على تعلّمه وإتقانه وبيع إنتاجهم للراغبين، لتأمين المال

يقصّ سيف الدين الحجارة بواسطة مجموعة من الأدوات ليشكّل أحجاماً صغيرة مختلفة الأشكال، ثمّ يقوم بلصقها على رسم جاهز مسبقاً ليتمكّن من إنجاز الصورة من خلال حجارة ذات ألوان رمادية وبيضاء وأخرى سوداء. يقول: "قد تستغرق الرسمة الواحدة أربع ساعات أو أكثر بحسب حجمها وتفاصيلها"، مشيراً إلى أنّه تعلّم قصّ الحجارة وتشكيل أشكال مختلفة منها ولصقها على الرسم، على أن يتقيّد بالألوان المحددة في الرسم من خلال استعمال ألوان مختلفة من الحجارة. يضيف أنّه لم يتعلّم بعد الرسم على الأوراق أو الأقمشة، لكنّه بات يتقن لصق القطع الصغيرة وقصّها جيداً، على أن يتعلّم في مرحلة أخرى الرسم على الأوراق كونها مرحلة مهمة لإتقان هذا الفن، وبالتالي رسم الفسيفساء.

اختار سيف الدين (15 عاماً) تعلّم تلك الحرفة لأنّها "ممتعة" على حدّ قوله. يضيف أنّه بعد انقطاعه عن الدراسة منذ عام، لم يجد حلاً غير تعلّم حرفة يكسب منها قوت يومه، خصوصاً أنّ الفسيفساء ما زالت تُستخدم في البيوت ودور العبادة والقصور وبعض المحلات، وتشهد إقبالاً كبيراً من السياح المغرمين بالفسيفساء. وتعد الفسيفساء في تونس من بين أقدم الفنون التي انتشرت في العديد من الجهات، إذ تعود نشأتها للحقبة الرومانية. وتعدّ مدينة الجم في محافظة سوسة أشهر المدن المعروفة بالفسيفساء، حتّى إنّ الحرفيّين هناك تعلموا رسم وتقليد بعض تلك الرسوم التي ظلت من بين أجمل أنواع الفسيفساء في العالم، ويقبل عليها السياح وتصدّر لوحاتها إلى العديد من الدول، إذ تجسّد أنماط الحياة على فترات تاريخية مختلفة في تونس.

ولا يمثّل فنّ الفسيفساء في تونس مجرّد رسم لوحات أو هواية يعشقها البعض، بل ارتبط هذا الفن بالعمارة والزخرفة في البيوت، لا سيما على جدران القصور وأرضياتها وعند مداخل بعض دور العبادة. وعلى الرغم من إقبال العديد من السياح وحتى المواطنين على تلك اللوحات، إلّا أنّ حرفييها يعدّون على أصابع اليد، وتنتشر فقط في بعض دكاكين الحرف التقليدية أو القرى الحرفية في بعض المدن.



وتنقسم الفسيفساء في تونس إلى زجاجية وأخرى حجرية. وتستعمل الزجاجية في زخرفة الأثاث كالكراسي والطاولات وبعض الديكور، غير أنّها ليست منتشرة بكثرة، فيما تُستعمل الفسيفساء الحجرية في زخرفة الأرضيات وجدران البيوت، لا سيما ذات المعمار العربي التي تتوسطها فسحة كبيرة تسمّى "وسط الدار". وتعد أكثر انتشاراً من الفسيفساء الزجاجية، وما زالت تلقى رواجاً في مدن تونسية عدة يقبل عليها عشاق فن الزخرفة وأصحاب البيوت ذات المعمار العربي لتزيين جدرانها ومداخلها وحتى غرف الجلوس فيها.



ويقول عبد الخالق (45 عاماً)، أحد حرفيي فن الفسيفساء، لـ "العربي الجديد"، إنّهم يجمعون أنواعاً مختلفة من الحجارة والرخام مختلفة الألوان والأحجام من مناطق عدة في تونس. وتنتشر أنواع مختلفة في الجبال التونسية لناحية اللون والخامة. يضيف: "في البداية، يتم صقل تلك الحجارة وترطيبها ثم قصها إلى قطع صغيرة وفرزها بحسب ألوانها وأشكالها وأحجامها.

والبداية تكون من خلال رسم الأشكال أو صور الشخصيات أو المناظر الطبيعية على أوراق بيضاء أو قطع من القماش. ثم تلصق تلك الحجارة الصغيرة بعد قص أشكالها بمقاسات وسماكات مختلفة، لتشكّل الرسوم. بعدها تترك الرسمة يومين لتجف. في المرحلة الأخيرة، يتم شحذ سطح اللوحة وتلميعها بواسطة بعض الزيوت ثم وضعها في إطار من الحديد أو الخشب بأحجام مختلفة".



ويشير إلى أنّه تعلّم الحرفة منذ عشرين سنة، وعلّمها لبعض محبّي هذا الفنّ. وواصل بعضهم العمل في مجال الفسيفساء بعد تعلّم فنونها وإتقانها، فيما انقطع آخرون عنها على الرغم من معرفتهم بها، "لكنها ظلّت من الفنون المربحة التي وفّرت فرص عمل مهمة، لا سيما أنّها ما زالت تلقى رواجاً كبيراً في العديد من الجهات ولدى السياح خصوصاً".



في ركن داخل ورشة عبد الخالق، يجلس محمّد (16 عاماً) وقد نثر تلك الحجارة الصغيرة على طاولته يقص بعضها بواسطة بعض الأدوات ليلصق القطع الصغيرة فوق رسم على ورق أبيض. يقول لـ "العربي الجديد" إنّه اختار تعلّم تلك الحرفة لأنّه يحب الرسم ويجيد الأمر على الأوراق والأقمشة. ويرى أنّ فن الفسيفساء يمكن أن يجعله يكسب بعض المال في المستقبل، إذا باع ما يصنعه من زخارف لتزيين البيوت، خصوصاً أنّ العديد من المنازل في تونس ما زالت تعتمد الزخرفة بالفسيفساء. يضيف أنّهم يرسمون بعض ما يميز تونس على غرار شجرة الزيتون أو أبواب تونس أو بعض المناطق الأثرية الشهيرة أو سيدي بوسعيد وغيرها من المدن المشهورة لدى السياح. وعلى مدى سنتين منذ بدأ تعلّم فن الفسيفساء، بات يستطيع القيام بكل مراحل الرسمة منذ بداية رسم الصورة على الورق وحتى قص الحجارة ولصقها وصقلها، حتى إنّه يرسم لوحات بحسب الطلب ويقلد بعض الرسوم المتوارثة عن الحقبة الرومانية نظراً للإقبال الكبير عليها.

دلالات