فلوس مبارك وفلوس الإخوان

فلوس مبارك وفلوس الإخوان

29 نوفمبر 2018
+ الخط -
ولأن حسني مبارك، المسكين جدا، تعب كثيرا وراء لقمة العيش في كل بلاد العرب والعجم، خلال عمره الممتد، وتجول شقيان في البلاد، من طلعتها إلى غيبتها، حابسا القرش على القرش، والدرهم على الدرهم، والدينار على الدينار، من دون كلل، عاملا في قراها ومديرياتها من اليمن جنوبا حتى كركوك والموصل شمالا، ومن سلطنة عمان شرقا حتى طنجة غربا، وزاول كل المهن، ما بين التدريس والطب والهندسة وعلوم البحار والأرصاد الجوية والكيمياء والبحث العلمي والأنثربولوجي في كل جامعات العالم وقاعات بحثه، وتعب (وتوتك) في الصيرفة وعلوم الأحياء، حتى التحقيق في كتب التراث والمناقب والسير والرحلات العلمية، وخصوصا في مواسم التزاوج أو هجرة الطيور والأسماك، وخاض أيضا خوضا عميقا في الاستقراء والاستدلال ومناهج البحث، وكان تقيًّا ويؤمن إيمانا ثابت الدلالة والقطعيّة بأن "الكفن مالوش جيوب"، ولا يتعامل أبدا مع البنوك الأجنبية أو الربوية، لا في الداخل ولا في الخارج، بل كان يترك فلوسه القليلة هكذا، بلا خطة ولا حرص ولا تأمين، بل كان يكتفي برميها في بساطة، سواء في الشوفنيرة، أو في بعض جيوب البنطلونات القديمة، وأحيانا في الثلاجة تمويها على الفئران.
كافح الرجل في عمله، ولم يظلم أحدا، ولم تصدر في حقه أي أحكام قضائية، تشكك في ذمته المالية أبدا، لا في محكمة "صندفة الفار" ولا حتى في محكمة "آبا الوقف"، وخرج من وظيفته كاملا مكملا، إلا من بعض سياراتٍ قديمةٍ جدا ومستهلكة، وأكل عليها الزمان وشرب، وبعض الموتسكلات القديمة التي اشتراها الولدان من مصروفيهما الخاص، من "سوق الجمعة" لزوم المرح المؤقت، كبقية الشباب في مقتبل أعمارهم. علاوة على بعض أدوات كمال الأجسام القديمة جدا لزوم العناية بعضلات الشابين في مرحلة صدر الشباب، مع كم وافر من زجاجات الكولونيا 555 مصرية التصنيع والإنتاج والفكرة، لزوم الحلاقة، مع القليل من الأقراط الذهبية البسيطة، والتي تعلن بكل وضوح عن تقشف أنثوي، نادرا ما نراه في نساء الشرق المترفات.
ولم يترك الرجل لا عقارات، ولا أي شيء من هذا القبيل، واكتفت الأسرة ببركة المصحف مع الولدين في كل شاردة وواردة، حتى في إشارات المرور أو في قفص الاتهام. ومن حاول منهما أن يتزيّد، اشترى كاميرا عادية جدا، يستطيع أن يشتريها بسهولة أبناء البوّاب والسمكري والبقّال، كي يواصلا الحياة في سهولة ويسر، بعيدا عن كلام الناس والقيل والقال.
أما الآن، وقد جاءت بنوك أوروبا ومصارفها (تلك القارة العجوز الشمطاء) كي تكذب عليه، هي ورعاع القوم وسفلتهم من المتربصين والكارهين للنجاح، قائلين وهو علي قيد الحياة: المحكمة الأوروبية تجمّد 529 مليون يورو من أموال مبارك وأسرته. .. هل يصح هذا بعدما شارف الرجل كبير السن على التسعين، وقد قال مرارا وتكرارا إن "الكفن مالوش جيوب"؟ هو الآن رجل في شقته المتواضعة، وقد صار لا يستطيع الرد على السفلة والسابلة، وأصحاب الأغراض الواطية حملة الشائعات، بل سيترك أمر الرد للتاريخ، كي يحكم فيه، أو يوم أن نتلاقى جميعنا ما بين يدي الديّان.
أما فلوس "الإخوان المسلمين، مصدّري الشائعات والفتن، فالكل يعرف أنها من المضاربات وشغل العصابات والمخدرات وتجارة الأعراض والأسلحة والحروب والعمولات واستجلاب الخادمات الفقيرات من الدول الفقيرة، كالهند وسيلان والفيليبين، والتكسّب من ورائهن في دبي والرياض وغيرهما، فيجب أن تصادر هذه الأموال جميعها، وحتى المدارس والمستشفيات، وتُحوّل بجرّة قلم إلى خزينة الدولة، تقرّبا إلى الله بالطبع، وإلى روح الدولة الحديثة. أما بنوك أوروبا فلها معي حكاية أخرى، أوضح فيها كل شيء، وأضع كل الأمور في نصابها. وسيرد شرح ذلك وافيا غير منقوص، في مذكّراتي التي سوف أمليها على الصحافي الموهوب جدا أحمد موسى.