قلّما حظيت قضية محقة في التاريخ، بمحامين سيئين كالقضية الفلسطينية. وقلما عرف سجلّ نضالات الحركات الوطنية في العالم الثالث، بقيادات حققت باليُمنى الكثير، وفرّطت باليُسرى بما هو أكثر. هذا ما يؤكده أرشيف وحاضر العلاقات الفصائلية الفلسطينية ــ الفلسطينية الذي هدأت حروبه على مضض خلال عدوان الـ51 يوماً على غزة، لتعود بزخم أكبر مما كان ربما في لحظة توقف صواريخ الموت. أما "اتفاق الشاطئ" الذي ولّد حكومة سُميَت بالوحدة على سبيل المبالغة، فتبيّن سريعاً أنها لم تكن سوى مجرد محاولة من بين محاولات عديدة لا تزال بعيدة جداً عن تحقيق الحدّ الأدنى الذي يسمح بتشكيل جبهة فلسطينية حقيقية وجديدة، تستفيد من بعض الإرث الطيب لمنظمة التحرير، لتلد جسماً فلسطينياً جديداً علّه يحفظ بعضاً مما تبقّى، أو يستعيد شيئاً مما سُرق. وعندما تنحصر حرية الخيار بين فصيلين اثنَين، هما حركتا "فتح" و"حماس" في "إقليمين" جغرافيين منفصلين بالكامل، تصبح احتمالات السوء أكبر طبعاً مما لو كانت فصائل اليسار لا تزال بعافية تؤهلها لأن تكون طرفاً ثالثاً صاحب مشروع مقاوِم بأجندة وطنية.
يقف مسؤولو حركتي "فتح" و"حماس" هذه الأيام على المنابر وأمام الشاشات، ليحذروا من "الانجرار في محاولات إسرائيل الإيقاع بين الحركتين". وبينما هم يقولون هذا الكلام، يتابعون خطاباتهم ليتبادلوا الاتهامات وليحققوا بالتحديد أهداف عدوان غزة في نقل الصراع، وربما القتال إلى داخل الصف الفلسطيني. أما الطرف الثالث الذي كان بإمكانه أن يؤدي دور العقل وضابط الإيقاع بينهما، أي اليسار الفلسطيني، فقد بات في حكم الموت السريري. وما لم يقضِ عليه الشلل الدماغي بعد، تكمله إسرائيل، فتقرر إبعاد نواب يساريين من الضفة الغربية، من دون أن يُحدث ذلك أي هزّة بحجم الجرم. وقد وصل سوء الحال حدّ أن الكثير من الفلسطينيين يجدون أنفسهم اليوم ممثلين بمتحدثين غير فلسطينيين، وفي الأغلب غير عرب.
ربما لا تنافس فلسطين اليوم، لناحية سوء المتحدثين باسمها، إلا سورية ومعارضاتها التي تبقى سبباً رئيسياً في بقاء نظام بشار الأسد حاكماً في دمشق.