فلسطينيون بانفجار بيروت... مروا مرور الكرام

فلسطينيون بانفجار بيروت... مروا مرور الكرام

09 سبتمبر 2020
+ الخط -

ربما من الخطأ تمييز الضحايا على أساس الجنسية أو الجنس أو العمر، بل من المعيب فرزهم أفقياً أو عمودياً لأي اعتبار فالكارثة والخسارة متساوية لدى الجميع، وكان للاجئين الفلسطينيين نصيبهم من تفجير مرفأ بيروت، والحصيلة النهائية تشير إلى قتيلين و40 جريحاً. وأعلن الهلال الأحمر الفلسطيني أن القتيلين هما: محمد دغيم من مخيم برج البراجنة جنوب بيروت، وفراس دحويش من صور جنوب لبنان.

تروي إحدى الجريحات الناجيات رولا صالح، من مخيم برج البراجنة، لـ"العربي الجديد"، ما حصل معها وقت الانفجار في الرابع من أغسطس/آب. وتقول "كنت مع خمسة أطفال، هم أولاد أخوتي، في مطعم (أم نزيه) في الجميزة، وكنا من المحظوظين حيث علقنا في ممر المطعم".

تحاول صالح، إعادة عقارب الساعة وتنشيط ذاكرتها، لكن كل ما علق في ذهنها هو "تطاير رواد المطعم وموظفيه بفعل عصف الانفجار، وتكسر الزجاج فوق رؤوسنا. في البداية لم أفهم ماذا يجري، لكن الخوف جعلني أحضن الأولاد الذين أصيبوا بجروح متفرقة منها المتوسط والخفيف". تضيف: "لا نعرف كيف خرجنا؟ ولكن مشهد الدمار خارج المطعم جعلني أشعر أن المقهى على الرغم من الدمار والجثث أرحم من الدمار الكامل. وبقينا نسأل ماذا حدث؟".

تتابع: "مشينا ساعة تقريباً، وكانت الطرقات مقفلة أمام الإسعاف، وبالنظر لحجم الضحايا، كان لدينا شعور أن هناك أناساً أولى في العلاج منا، لا مكان للشجاعة هنا، ولكن حاول بعض الناجين مواساتنا وحمل الأطفال للوصول إلى الإسعاف. ومن المستغرب أننا لم نصرخ وكذلك الضحايا الآخرون فكانوا يحملون جراحهم المثقلة ويحاولون المشي بعيداً".

أمام هول جريمة انفجار مرفأ بيروت، هرع الفلسطينيون للتضامن مع أشقائهم اللبنانيين، وتدفقت الجمعيات والمؤسسات وحملات التبرع والمئات من المتطوعين للمساعدة، غير أن جراحهم بقيت طي الكتمان

وتستطرد "كان هدوء الموت يخيم على المنطقة حتى وصلنا إلى الأشرفية، فشاهدت شاباً من المخيم فبدأت بالصراخ والبكاء". تقول صالح إنها عند رؤية ابن مخيمها أحست أن ما جرى كارثة، فالشاب، وهو يعمل في جمعية "الهلال الأحمر الفلسطيني"، نقلهم إلى مستشفى حيفا في مخيم برج البراجنة جنوب بيروت.

بعد شهر على انفجار مرفأ بيروت تؤكد صالح أن ما من أحد سأل عنها وعن جراح الأطفال الخمسة، كذلك تستغرب غياب قضية الجرحى الفلسطينيين من الإعلام، إلا أنها ورغم ذلك لا تطالب إلا بالحصول على إجابة عن سؤالها: ماذا حدث؟ مطلب تتفق معها والدة إحدى الجرحى، وتدعى نسرين، التي تقول لـ"العربي الجديد"، إن "ما جرى حرق قلوبنا ولا استطيع نسيان مشهد ابنتي وهي مضرجة بالدماء، وكل ما أتمناه أن يحاسب المسؤولون عن هذه الإبادة الجماعية، بحق بيروت وأهلها، وبحق أولادنا".

وتؤكد نسرين بدورها، أن ابنتها عولجت في مستشفى حيفا، ومنذ خروجها لم يسأل عن حالها أحد، لاسيما من الجانب اللبناني، موجهة عتاباً "نحنا ديماً من قول قلبي سلام وفداء بيروت. بس كنت حابي أسمع سؤال من أهل بيروت عن حالنا". واستدركت قائلة "بس نحنا من خبركم إننا بخير وناطرين بيروت ترجع أجمل من قبل".

من جهته، يقول مدير عام جمعية "الهلال الأحمر الفلسطيني" إقليم لبنان، سامر شحادة، لـ"العربي الجديد"، إن "يوم الكارثة كنت في مستشفى حيفا، وفوراً أعطينا تعليماتنا لكل الإسعافات الخاصة بنا في بيروت وصيدا بالتوجه إلى بيروت، وفعّلنا خطة الطوارئ الخاصة بالكوارث. وبالتالي شرعنا أبواب مستشفياتنا لاستقبال الجرحى رغم الإمكانيات الخجولة، وللتبرع بالدم. كان إحساسانا بالمسؤولية كبيراً جداً ونحن شركاء مع الشعب اللبناني في الدم والجراح والمصير".

يشير شحادة، إلى أن "مستشفى حيفا، استقبل أكثر من 60 جريحاً من مختلف الجنسيات. ويضيف أن أسرة المستشفى امتلأت وكذلك قسم الطوارئ، ما جعلنا نعالج كل المصابين على سرير واحد".

يبين شحادة أن "الأطباء الفلسطينيين قدموا من كل المناطق اللبنانية للمساعدة، وأن التضامن الإنساني بين الشعبين الفلسطيني واللبناني كان عالياً". ويشير شحادة إلى أن العلاج كان على نفقة الجمعية من دون السؤال عن التكاليف المادية. وفي المقابل يؤكد أن "أي مسؤول لبناني لم يسأل عن وضع الجرحى، كما أنه لم تبادر الجهات اللبنانية للسؤال عن تكاليف العلاج رغم إعلانها سداد فواتير المشافي على نفقتها".

أمام هول جريمة انفجار مرفأ بيروت، هرع الفلسطينيون للتضامن مع أشقائهم اللبنانيين، وتدفقت الجمعيات والمؤسسات وحملات التبرع والمئات من المتطوعين للمساعدة، غير أن جراحهم بقيت طي الكتمان، كأنهم نسي منسي، ومروا هكذا مرور الكرام.

صمود غزال
صمود غزال
صحافية فلسطينية لاجئة في لبنان. من فريق موقع العربي الجديد قسم السياسة.