فعالية الحقن العميقة

30 يونيو 2014
+ الخط -


معلوم أن للدولة العميقة في المغرب حقناً تتفاوت فعالياتها حسب الظروف والأحوال، وحسب طبيعة ونوعية الشخصيات المستهدفة من التنظيمات المعارضة، خصوصاً الإسلامية منها واليسارية. فهذا قد تنفع معه حقنة عادية، وذاك قد تناسبه الحقن المتوسطة، وذلك لا تصلح له إلا القوية ذات الجرعات الزائدة. لكن، إلى اللحظة، لم يتم استعمال إلا النوع الأول، الذي يؤدي دوره كما يجب وزيادة، فكل مَن دخل تحت ظله يقوم بعمله، كما يجب.

كنا نعتقد أن رجالات الدولة العميقة سيجدون صعوبة في ترويض صقور الحزب الإسلامي، الذي وصل إلى الحكومة على كتفي الربيع الديمقراطي، عندما هبّ على المغرب منذ بداية سنة 2011، وكنا نعتقد أنهم سيلجأون إلى النوع الثاني، أو حتى الثالث من الجرعات، وكنا، على الأقل، نقدّر أن عملية "الترويض" ستطول، وستأخذ وقتاً، بالنظر إلى عناوين كبيرة كان يقدمها هؤلاء القادة على الساحة الإعلامية، على الأقل. ولم نكن نتصور أن الذين يطلق عليهم مسمى صقور "العدالة والتنمية" سينهارون بهذه البساطة، وسينبطحون بهذا الشكل المريب. وكان التقدير يشير، في أحسن أحواله، إلى أن تصل درجة تنازل هؤلاء فقط إلى محاولة الدفاع عن اختيارات الدولة، وإيجاد التخريجات المناسبة لها، ولم نكن نتصور أنهم سيهاجمون كل مَن خالفهم، وكل مَن عارض الحكم، ولو لم يطلب منهم.

من الذي طلب من الدكتور محمد نجيب بوليف أن يهاجم مغني الحراك، معاد بلغوات، المعتقل على خلفية ملف مضحك: المتاجرة ببطاقات مباراة في السوق السوداء. فعلاً، إنها أمور مثيرة للشك. فقد تعوّدنا، وعبر مدة طويلة، على مواجهة المعارضين والمخالفين باتهامات كهذه، في محاولة للضغط عليهم. وبالتالي، بالنسبة إلينا ما جرى لهذا المغني الشاب يأتي في سياق ما بعد التراجعات التي يشهدها المغرب، بعدما ضعف وهج الحراك الذي أوصل بوليف ورفاقه إلى الكراسي الحكومية. ثانياً، لنفترض أن التهمة صحيحة، وأن الشاب كان يبيع بطاقات مباراة كروية في السوق السوداء، فهل انتهت كل ملفات الفساد الكبرى التي تنخر البلد، ولم يبق لكم إلا هذا الشاب؟

كلام بوليف يفيد بالإدانة، والحال أن الملف لا يزال بيد القضاء، إذا سلّمنا باستقلاليته في مثل هذه القضايا، وهي جريمة يعاقب عليها القانون، وضرب الوزير بعرض الحائط قرينة البراءة، والمتهم بريء إلى أن تثبث إدانته.

كان الأجدر بحضرتكم، وبمنصبكم الوزاري، يا سيد بوليف، أن تصمتوا، فالصمت، في مثل هذه الحالات، حكمة، أما الخروج بتلك الطريقة، فإنها لم تكن موفّقة بجميع المقاييس. فعوض الدفاع عن المضطهدين في هذا البلد، أصبحتم، للأسف، بوقاً للفساد والاستبداد، تجالسون وزير المالية السابق الذي استفاد من علاواتٍ غير قانونية سنوات، ووصفه رئيسك في الحكومة يوم تحلّل لسانه بنضالات الشباب بـ"الفاسد يا مولاي"، وتهاجمون، في المقابل، شاباً كسب دراهم، هذا إن كان الأمر صحيحاً من أساسه، فمَن له الأولوية يا باحث الاقتصاد؟

أما تعايشكم مع الفساد الذي لا يزال ينخر المغرب في مجالات عديدة، فتلك قصة ومصيبة أخرى، ويبقى السؤال المطروح: ألهذه الدرجة فعلت حقن الدولة العميقة فعلها فيكم؟

B353BFBB-B4B3-4844-95C6-E9A6E882BB12
B353BFBB-B4B3-4844-95C6-E9A6E882BB12
عبد الله أفتات (المغرب)
عبد الله أفتات (المغرب)