فطور مجاني لأطفال فرنسا الفقراء

فطور مجاني لأطفال فرنسا الفقراء

12 مايو 2019
يتناولون الطعام في المدرسة (شارلي تريبالو/ فرانس برس)
+ الخط -
بدأت بعض ملامح مشروع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لمحاربة الفقر، الذي أعلن عنه في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، تتجلّى في تمويل الدولة عملية تقديم وجبات فطور في المدارس لأطفال يتحدرون من عائلات فقيرة.

وتراهن وزارتا التربية الوطنية والصحة، على إتاحة الفرصة لنحو 100 ألف طفل للاستفادة من هذه الوجبة الضرورية قبل ساعات الدراسة في مناطق تحظى بالأولوية. بالطبع، لن تستفيد كل المدارس من هذه الالتفاتة الحكومية.خلال الفترة الأولى، سيكون التنفيذ طوعياً من قبل بعض المؤسسات، وستستهدف الأطفال في مناطق التعليم ذات الأولوية، أي القاطنين في الأحياء الشعبية، إضافة إلى بعض المناطق القروية.




وإلى حين تعميم التجربة في شهر سبتمبر/أيلول المقبل، والتي تستهدف 100 ألف طفل، عمدت وزارة التربية الوطنية إلى تجريب هذا الإجراء في ثماني أكاديميات فرنسية، وهي أميان ولاريينيون وليل ومونبولييه ونانت وتولوز ورانس وفيرساي.

ولا تُخفي الحكومة أن هدفها من هذا القرار، إضافة إلى إجراء أخرى في إطار خطة الفقر يُقدّم بموجبه الفطور في مقابل يورو واحد، ويطمح لأن يشمل 10 آلاف بلدة في نهاية المطاف، هو الحدّ من التفاوت الاجتماعي في مرحلة الطفولة. وتحدث ماكرون أكثر من مرة عن ضرورة كبح التفاوت منذ البداية، أي منذ الصغر، وليس في فترات متأخرة، كما فعلت حكومات عدة وفشلت.

ترى الحكومة أنّ كثيراً من الأطفال يعانون من مشاكل تتعلّق بالتغذية، ما يعني أن بعض الأطفال لا يتناولون طعام الفطور بشكل منتظم. وأحياناً، يأتون إلى المدرسة من دون أي طعام. وتؤكد دراسة نشرها مركز الأبحاث من أجل دراسة ومراقبة شروط الحياة في عام 2015، أن ربع الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 3 و11 عاماً، لا يتناولون طعام الفطور بشكل منتظم، ما يؤدي إلى انخفاض التركيز لدى 83 في المائة من الحالات، وزيادة التعب لدى 82 في المائة.

ويؤكّد وزير التربية الوطنية جان ميشيل بلانكي، وسكرتيرة الدولة في وزارة الصحة كريستيل دوبوس، اللذان أعلنا عن الخطة التي ستكلف الخزينة ما بين 10 و12 مليون يورو سنوياً، أن الأطباق ستكون صحية ومتوازنة، ما يعني أنّ الفطور سيتضمن إضافة إلى الخبز الكامل والبيض، الجبنة والفاكهة، الحليب بالشوكولاتة، إضافة إلى كوب مياه كبير.

خطة لا ترضي الجميع
وإذا كانت الفكرة قد أثارت تأييد الجمعيات الإغاثية وتلك التي تحارب الفقر، كـ"الإغاثة الكاثوليكية"، إلّا أن كثيراً من عمداء المدن اليمينية انتقدوا هذا الإجراء باعتباره عبئاً إضافياً عليهم، كونهم المسؤولين في المقام الأول عن المطاعم المدرسية. كما أن وجبة الفطور بيورو واحد كانت محل انتقاد من قبلهم، على اعتبار أنه يجب أولاً تحديد الأحياء الفقيرة، في إشارة إلى أن الكثير من الأطفال الفرنسيين سيُحرَمون من هذا الإجراء لسبب بسيط، وهو أن مدارسهم غير موجودة في مناطق التعليم ذات الأولوية.

وتأتي انتقاداتهم، كما يقول الباحث في علم الاجتماع قدور زويلاي، لـ"العربي الجديد"، بمثابة "استمرار لرفضهم السياسات الاشتراكية التي ضخت أموالاً في الضواحي والأحياء الشعبية"، والتي اعتبروا أنها تهدف إلى "شراء السلم الأهلي"، من دون أن يكون لها مردود على الأرض لناحية تقليص الفقر والتفاوت. كثير من العمداء اليمينيين سبق لهم أن حرموا الكثير من الأطفال المسلمين من الأطباق البديلة عن لحم الخنزير، وهو ما تصدى له القضاء في الكثير من أحكامه.

إلى ذلك، لا يخفي مامادو، وهو مهاجر سنغالي، أنّ ظروفه المادية سيئة للغاية. هو عاطل من العمل منذ سنوات، ويقطن في منطقة سان دونيه في الضاحية الباريسية الفقيرة، وأب لستة أبناء، أكبرهم لا يتجاوز 13 عاماً. يقول إنه لا يستطيع أن يوفر لأبنائه فطوراً متكاملاً في بيته. من الصعب بالنسبة إليه الحديث عن غذاء متكامل لأطفاله. "هم يتناولون ما هو موجود. والمساعدات التي أحصل عليها لا تسمح لي بشراء الغذاء لأبنائي على غرار أقرانهم". لذلك، ينتظر هذا الإجراء بفارغ الصبر.

أما سميرة الأصفر، فتربي ابنها لوحدها، بعدما غادرها زوجها، الذي لا يقدم لها ولابنه أية مساعدة، بسبب البطالة وإدمانه على المخدرات. وتُضطرّ سميرة إلى العمل في مجال التنظيف في أحد الفنادق. لذلك تنتظر هذا الإجراء بشوق. وتوضح: "توقيت عملي لا يسمح لي بالتواجد مع ابني كل صباح. أحياناً، أغادر البيت باكراً فأتركه نائما عند جارتي التي توصله إلى المدرسة. وأرى أنه من الجيد بالنسبة إليه أن يتناول الطعام مع أقرانه، خصوصاً أنني سجلته في مطعم المدرسة".

كثيرة هي العائلات العربية والأفريقية والآسيوية التي تعيش في مباني الضواحي، وتعاني من جراء ارتفاع نسب البطالة والفقر، وسيستفيد أبناؤها من هذا الإجراء الحكومي. إذاً، ترى بعض العائلات في هذا الإجراء حداً لهمومها، خصوصاً أن مرحلة الطفولة تلعب دوراً حاسماً في صناعة المستقبل. تعترف بعض العائلات بأن ظروفها صعبةٌ، لكنها تريد أن تكافح حتى لا يكون أبناؤها محرومين من وجبة الفطور.




سعيد العمراني يقول إنّ ابنه الأصغر يحتاج إلى أن يكون من بين المعنيّين بالإجراء المستحدث، لكنه لا يريد له ذلك. يضيف: "أريده أن يتناول الفطور في بيته مع أشقائه، حتى ولو أنّ الفطور الكامل، كما يحدده الخبراء والأطباء، لا يتوفر لدينا في كل وقت". يتمنى قبول ابنه البكر في الجيش، حتى يحصل على وظيفة ويساعد عائلته، ولا تضطر للخضوع لهذا النوع من "الإغراءات والصدَقات" مثلما يسميها، مع أنها قد لا تكون كذلك، بل رعاية اجتماعية.

المساهمون