فصول من معارك ملحمية في مصر

فصول من معارك ملحمية في مصر

05 ديسمبر 2015

السلطات المصرية رفضت تجديد جواز المعارض أيمن نور (Getty)

+ الخط -
يروّج إعلام عبد الفتاح السيسي أنه يواجه مؤامرة كونية عالمية ملحمية، تقوم بها الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وإيران وحركة حماس وقطر وتركيا وبريطانيا، ودول أخرى تظهر تباعاً كلما دعت الحاجة، لكن النظر إلى بعض معارك السيسي "الحقيقية" تظهر عكس ذلك، وتظهر كيف أصبح هذا النظام قزماً حتى في معاركه، وجديد هذه المعارك مع صحافي وباحث شاب (إسماعيل الإسكندراني)، كتب أبحاثاً ودراسات مهمة عن سيناء، مقدماً نصائح كثيرة للتعامل مع تلك المنطقة الساخنة، غير أن النظام المذكور لم ير في إنتاج الإسكندراني إلا أنها تمثل خطراً عليه.
كانت وزارة الخارجية المصرية صاحبة السبق في "المعركة"، بعد أن "أبلغت" السفارة المصرية في برلين عن الإسكندراني، بعد مشاركته في ورشة عمل في ألمانيا، تحدث فيها عن الأوضاع في مصر، خصوصاً في سيناء. وقبل الورشة، كانت السفارة قد احتجت على حضور أشخاصٍ لم تسمهم، لكنها قالت إنهم ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، وتم توجيه رسالة إلى السفارة الألمانية في القاهرة، كما تحدث وزير الخارجية، سامح شكري، مع السفير المصري في برلين، الذي تحدث إلى الخارجية الألمانية، ليؤكد احتجاجه! ورأى المنظمون الألمان أن هذه مؤشرات مقلقة للمشاركين المصريين، فأرسلوا إليهم يطلعونهم على الموقف، وأبلغوهم أنهم غير قادرين على ضمان سلامتهم، وإنهم (المشاركون) معرّضون للاستجواب في بلدهم بعد عودتهم إليه، فقرّر ثلاثة منهم إلغاء سفرهم، لكن معظم المدعوين المصريين اتفقوا على المشاركة.
بعد الورشة، قدمت السفارة المصرية تقريراً في إسماعيل الإسكندراني، يتهمه بالإساءة لسمعة مصر والاتصال بمنظمات حقوقية دولية، ما أدى إلى وضع اسمه على قائمة ترقب الوصول، قبل وصوله بيوم، وفقاً لما كتبه أصدقاؤه، وبعضهم شارك في ورشة العمل في ألمانيا بصحبته. عاد إلى مصر ليتمكن من رؤية والدته المريضة، لكن النظام قرّر أن ينزل إلى الدرك الأسفل كعادته، ويعتقل إسماعيل الإسكندراني، بمجرد وصوله إلى مطار الغردقة.
تركت وزارة الخارجية مهامها، إذن، وتفرغت لملاحقة المصريين، والتجسس عليهم، والإبلاغ عنهم، كأي "مخبر".
وهناك معركة جواز سفر المعارض والسياسي المصري البارز، أيمن نور، فقد رفضت وزارة
الخارجية المصرية تجديد جواز سفره في أبريل/نيسان الماضي، بعدما تقدم بطلب إلى السفارة المصرية في بيروت، ليرفع دعوى قضائية، تطالب بإلزام الوزارة بذلك. وحصل على حكم لصالحه، استناداً إلى أن "الخارجية" لم تقدم أسباباً تمنع من إجابة طلبه، ثم طعنت على الحكم، رافضة تجديد جواز السفر. وهكذا نرى أن جواز سفر أيمن نور أصبح من مشاغل نظام السيسي.
ومع عدم إعجابي بالمذيع باسم يوسف وما يقدمه، أشير، هنا، إلى أن النظام دخل في معركة أخرى معه، لأنه تجرأ وانتقد بعض مساخر كان يقوم بها النظام بعد الانقلاب، ما جعل عباس كامل مدير مكتب السيسي يتصل بمسؤولين في قناة "إم بي سي مصر"، لوقف برنامجه، وفقاً لما ظهر في أحد التسريبات، ونجح في ذلك، حتى إن "أوامر عليا" تسببت في امتناع قناة "نايل سينما" المصرية عن إذاعة حفل ختام مهرجان قرطاج السينمائي السادس والعشرين، بسبب وجوده فيه، وتقديمه له، بحسب الناقد السينمائي، سمير فريد، في مقاله في صحيفة "المصري اليوم".
تذكّرنا هذه المعارك بمعارك أخرى سابقة على المنوال نفسه، كشف عن إحداها الكاتب بلال فضل، حول اتفاق أجهزة أمنية "سيسية" مع شركات متخصصة، تدفع لها من أموال الشعب المصري، ليس فقط للتجسس على الحسابات الشخصية وصفحات وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما أيضاً لعمل هجمات إلكترونية منظمة على صفحات على شبكة الإنترنت وقنوات على موقع يوتيوب، نجحت إحداها في إغلاق قنوات فرعية تابعة لشبكة التلفزيون العربي، منها قناة برنامج "عصير الكتب" الذي يقدمه فضل، بالإضافة إلى برنامجه (الموهوبون في الأرض)، حتى وصلوا، أخيراً، إلى إغلاق قناة التلفزيون العربي بالكامل، ولكن تمت استعادة هذه القنوات جميعها، وبقي ما حدث شاهداً على اهتمامات نظام السيسي.
ليس غريباً على نظامٍ كهذا أن يشغل نفسه ببرامج ثقافية وفنية، لمجرد أن من يقدمونها لا يعجبونه، فقد سبق للسيسي نفسه أن حذّر في لقاء مع أذرعه الإعلامية من موقع العربي الجديد، وموقع "كالتشر" الفني، وقناة "مصر الآن".
وفي تسريبات لعباس كامل، يظهر واضحاً صوت قناة "الجزيرة مباشر مصر" في الخلفية، دليلاً على اهتمام السيسي ورجاله بهذه القناة التي أزعجتهم، إلى درجة أنهم يقومون بتشغيلها في مكاتبهم ومتابعة ما تقول، كما أن إغلاقها كان البند الأول في أي حديث عن العلاقات بين وقطر ومصر بعد الانقلاب. ولم يتوقف السيسي ونظامه على التحريض على القناة وصحافييها وسبهم بألسنة الأذرع الإعلامية، وتشويه القناة واختلاق الأخبار عنها، حتى ينصرف المصريين عنها، لكنه لم ينجح، بل كانت القناة ضمن قائمة الأعلى مشاهدة من الجمهور المصري، حتى النهاية.

D90F1793-D016-4B7E-BED2-DFF867B73856
أسامة الرشيدي

صحفي وكاتب مصري، شارك في إنجاز أفلام وحلقات وثائقية عن قضايا مصرية وعربية، وكتب دراسات ومقالات نشرت في مجلات ومواقع إلكترونية.