فشل مشروع قرار إدانة المقاومة الفلسطينية وحماس... قراءة قانونيّة

فشل مشروع قرار إدانة المقاومة الفلسطينية وحماس... قراءة قانونيّة

16 ديسمبر 2018
+ الخط -
 
ستبقى جلسة الجمعية العامّة للأمم المتحدة المنعقدة في 6 ديسمبر/ كانون الأول 2018، علامة فارقة ومنعطفاً خطيراً في القضية الفلسطينية، فلأول مرة في التاريخ يكون نضال الشعب الفلسطيني وشرعية مقاومته للاحتلال الصهيوني، محل اتهام وفي دائرة التجريم الأممي وعلى شفير إدانة دولية لوسمها بالإرهاب..

عاش الشعب الفلسطيني والشعوب الحرّة حول العالم، لحظات عصيبة وحرجة خلال جلسة التصويت وحبست الأنفاس وبلغت القلوب الحناجر، وخاصة في التصويت الأول الذي قررت على أثره الجمعية العامّة وجوب موافقة أغلبية الثلثين لتمرير مشروع القرار الأميركي، وجاءت نتيجة التصويت بشقّ الأنفس وفارق 3 أصوات فقط، إذ صوتت 75 دولة مع القرار و72 دولة ضده..

وعلى الرغم من تضافر الجهود الأوروبية والأميركية والإسرائيلية، وتوحّدهم في قيادة حملة دبلوماسية كبيرة، وبذل جهود غير مسبوقة لإقناع أعضاء الجمعية العامّة بضرورة إدانة فصائل المقاومة الفلسطينية، إلا أن مشروع القرار سقط ولم يمرر لعدم حصوله على أغلبية ثلثي أصوات الأعضاء الحاضرين المصوتين، إذ حصد مشروع القرار تأييد وموافقة 87 صوتاً مقابل 57 دولة صوتت ضده و33 دولة امتنعت عن التصويت، ما وجّه ضربة شديدة وموجعة للتحالف الإسرائيلي الأميركي الأوروبي، الذي فشل فشلاً ذريعاً في تمرير مشروع قرار بإدانة حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، لإطلاقها المتكرّر صواريخ نحو إسرائيل وتحريضها على العنف، معرّضةً بذلك حياة المدنيّين للخطر ومطالبتها وتنظيمات أخرى بما فيها حركة الجهاد الإسلامي، بوقف كلّ الاستفزازات والأنشطة العنيفة بما في ذلك استخدام الطائرات الحارقة.


لماذا تطلّب صدور القرار موافقة الثلثين لا الأغلبية البسيطة؟
استناداً لنصّ المادة 18 من ميثاق الأمم المتحدة (الفقرتان 1 و 2) والموادّ (85 - 84 - 83) من النظام الداخلي، فإن النصاب القانوني لصدور قرارات الجمعية العامة يتحدد حسب موضوعات المسائل المعروضة للتصويت، إذ إن القرارات الخاصة بالمسائل الهامة/ العامّة تصدر بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت (ويقصد بهم الأعضاء الحاضرون الذين يدلون بأصواتهم سلباً أو إيجاباً، أما الأعضاء الممتنعون عن التصويت فيعتبرون غير مصوّتين).

وقد ورد تعريف المسائل العامّة/ الهامّة على سبيل الحصر التي تشمل: (التوصيات الخاصة بحفظ السلم والأمن الدولي، انتخاب أعضاء مجلس الأمن غير الدائمين، انتخاب أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي، انتخاب أعضاء مجلس الوصاية، وقبول أعضاء جدد في الأمم المتحدة، ووقف الأعضاء عن مباشرة حقوق العضوية والتمتع بمزاياها، وفصل الأعضاء، والمسائل المتعلقة بسير نظام الوصاية وفقاً لحكم الفقرة الأولى (ج) من المادّة 86، والمسائل الخاصّة بالميزانية وأيّ مسائل إضافية تقررها الجمعية العامّة بالأغلبية البسيطة).

أما القرارات في المسائل الأخرى، ويدخل في ذلك تحديد طوائف المسائل الإضافية التي تتطلب في إقرارها أغلبية الثلثين، فتصدر بأغلبية الأعضاء الحاضرين المشتركين في التصويت، (النصف +1).

وعليه، فإن مشروع القرار الأميركي بإدانة المقاومة الفلسطينية، لا يندرج ضمن المسائل الواردة صراحة في المادّة 18 من الميثاق والمادّة 83 من النظام الداخلي، التي تتطلب أغلبية الثلثين.

وكاد المخطط الأميركي أن يصدر القرار بالأغلبية البسيطة، ولكن حسب ما تم تسريبه من معلومات غير مؤكدة، فإن روسيا أدّت دوراً رئيسياً وتدخلت معها الكويت في الدفع نحو طلب التصويت على إدراج مشروع القرار ضمن المسائل الإضافية، التي تستلزم أغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين المصوّتين، وقد نجحت المساعي لذلك وبفارق ثلاثة أصوات فقط.

وعليه، فقد جرى التصويت الأول وصدر قرار إجرائي من الجمعية العامّة ينص على وجوب حصول مشروع القرار الأميركي على أكثرية الثلثين لاعتماده، وكانت نتيجة متقاربة جداً، إذ صوتت 75 دولة مع القرار مقابل 72 صوتاً ضده وامتناع 26 دولة عن التصويت. ولولا هذا القرار الإجرائي الذي صعب مهمة الأميركان وحلفائهم الأوروبيين، لكان القرار صدر بالأغلبية البسيطة بسهولة ويسر كما كان مخططاً له.

نتيجة صادمة في التصويت النهائي
على الرغم من الضغوط السياسية التي مارستها الولايات المتحدة على الدول الأعضاء، لتمرير مشروع القرار والتي تجلّت في تصريح نيكي هيلي المندوبة الأميركية الدائمة في الأمم المتحدة، حين خاطبت الدول الأعضاء بعجرفة وبنبرة تهديد علنية: "الولايات المتحدة تتعامل مع نتيجة هذا التصويت بمنتهى الجدّية"..

إلا أنه لم يحُز أغلبية الثلثين المطلوبة لإقراره، وسقط بعدما حصل على 87 صوتاً مقابل 57 صوتاً ضده، بينما امتنعت 33 دولة عن التصويت. وهذا يمثل هزيمة قانونية وسياسية جديدة لإدارة الرئيس الأميركي ترامب وحليفه الكيان الصهيوني، وهما اللذان يروّجان الأكاذيب من  المنصة الدولية حول عدم شرعية المقاومة الفلسطينية ووسمها بالإرهاب.


ولكن ثمة حقيقة جلية - تسطرها نتيجة التصويت - لا بد أن نقف أمامها ولا نغفلها، وهي أن هذا الفشل الأميركي في تمرير القرار لا يعتبر انتصاراً للمقاومة وللشعب الفلسطيني، كما ذهب بعض قادة الفصائل الفلسطينية وبعض المحللين السياسيين والإعلاميين تحت مبررات واهية ومسوغات فرضية لا أساس لها من الواقع والتاريخ والقانون، وهذا القول مناطه الأسانيد التالية:

1- حاز مشروع القرار الأميركي 87 صوتاً، وهذا العدد كبير وغير مسبوق تاريخياً، وكان يكفي 9 أصوات أخرى ليصدر القرار (ويشكل ما نسبته 60% من الأصوات)، وهذه النسبة مرعبة ومفزعة لكونها غير مسبوقة في تاريخ القرارات الأممية الخاصّة بالقضية الفلسطينية، التي توجب إعلان حالة الطوارئ فلسطينياً. ومن جهة أخرى تثبت فشل الدبلوماسية الفلسطينية والعربية، في الحفاظ على الدعم العالمي والاعتراف الدولي بحقوق الشعب الفلسطيني، وتراجعاً كبيراً في مواقف كثير من الدول، وبعضها إسلامية، سواء التي صوتت مع القرار أو التي امتنعت عن التصويت مثل (أفغانستان - الهند - الكاميرون - ساحل العاج - إثيوبيا - كينيا - غانا - بوركينا فاسو - الغابون - أوغندا - تايلاند - نيبال - سريلانكا - الفيليبين).

2- موافقة 87 دولة على القرار عدد كبير ومفاجئ ويدعو للقلق، ويعكس نجاح الدبلوماسية الإسرائيلية في كسب مواقف دول صغيرة وكبيرة، وخاصة في أفريقيا وأميركا الجنوبية، ولأول مرة تخسر القضية الفلسطينية هذا العدد من المناصرين التاريخيين.

3- انقلاب في مواقف دول معروفة تاريخياً بدعمها للقضية الفلسطينية، وحقوق الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال، التي صوتت بشكل مفاجئ مع القرار ومن أهمها: (أيرلندا - تشيلي - بنما - البرازيل - الأرجنتين - اليونان - قبرص - بلجيكا - إيطاليا - اليابان - المكسيك - أورغواي - باراغواي - بيرو - كوستاريكا - كولومبيا - هندوراس - رومانيا - إريتيريا).

4- نتيجة التصويت كارثية، إذ إن 120 دولة (مجموع الدول التي صوتت مع القرار والتي امتنعت عن التصويت)، تنصلت من مسؤولياتها واتخذت موقفاً سلبياً ضد القضية الفلسطينية، القائمة أصلاً على حقيقة وواقع الاحتلال الإسرائيلي، وحق الشعب الفلسطيني أولاً في الدفاع الشرعي عن نفسه أمام عدوان الآلة العسكرية الإسرائيلية، وثانياً في حقه في مقاومته بكافة الطرق، بما فيها الكفاح المسلح حتى تحرير أرضه ونيل استقلاله، وعليه فنتيجة التصويت تدق ناقوس الخطر وتشعل الأضواء الحمراء، وتحتاج لدراسة تحليلية عميقة وخطوات عملية لمواجهة أي محاولات مستقبلية لإعادة تمرير هذا القرار ومواجهة الدبلوماسية الصهيونية والضغوط الأميركية.

هل يجوز طرح مشروع هذا القانون للتصويت أمام الجمعية العامّة للأمم المتحدة؟
استناداً إلى ميثاق الأمم المتحدة، لا يوجد نصّ يحظر ذلك وقد يكون هذا قصوراً في أحكام الميثاق، إذ لا يجوز أن تطرح مشروعات قرارات تخالف النظام العام الدولي، أو مبادئ القانون الدولي، أو تخالف قرارات سابقة استقرت عليها الأمم المتحدة عقوداً طويلة وباتت عرفاً دولياً، وقد حصلت سابقة وحيدة مشابهة لها ذات صلة بالقضية الفلسطينية، عندما تراجعت الجمعية العامّة للأمم المتحدة عن قرارها رقم 3379 الصادر في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 1975 الذي نصّ على: "أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري"، وقامت بإلغائه بدون سبب بعد 16 سنة من صدوره، وتم الإلغاء بموجب القرار 46/86 الصادر بتاريخ 16 ديسمبر/ كانون الأول 1991. والمفارقة التي تستدعي الوقوف أمامها، أن القاسم المشترك بين الواقعتين هو جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي في إدارة ترامب (وهو محام)، فقد أدى دوراً محورياً وجوهرياً في إلغاء القرار 3379، ويبدو جلياً - وفق رأيي الشخصي - بأن بولتون هو مهندس مشروع القرار، وهو من خطط للقيام بهذه الخطوة الأميركية "الذكية جداً" والمدروسة بعناية فائقة، وبهذا الخبث القانوني الذي كاد أن يعصف بركائز القانون الدولي رأساً على عقب، ويدخل الأمم المتحدة في جدل قانوني حول التفرقة بين حق تقرير المصير للشعوب، وحقها في الكفاح المسلح ضد الاحتلال.

وفي الجانب القانوني، مشروع القرار موضوعياً مخالف لأحكام القانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة نفسها، ويخالف النظام العام الدولي ويعتبر انتهاكاً صارخاً لاتفاقيات جنيف لسنة 1949، واتفاقية لاهاي لسنة 1907 ويخالف أكثر من 220 قراراً أممياً بهذا الخصوص..

ويهدم مبادئ أساسية تعتبر ركائز في القانون الدولي، وتشكل العمود الفقري لحقوق الشعوب في العالم وهي:
1- حق الشعوب في تقرير مصيرها ونيل حريتها واستقلالها.

2- حق الشعوب في مقاومة الاحتلال والاستعمار بكافة السبل، بما فيها الكفاح المسلّح.

3- حق الشعوب في الدفاع الشرعي عن نفسها ضد أي اعتداء أو عدوان مسلّح.

التبعات القانونية المترتبة، رغم فشل تمرير مشروع القرار في الجمعية العامّة للأمم المتحدة
بالرغم من فشل مشروع القرار الأميركي بتجريم المقاومة الفلسطينية وعدم تمريره، إلا أنّ ثمة تداعيات وتبعات قانونية تترتب عليه، ستمهد الطريق لإعادة طرح فكرة مشروع القرار مستقبلاً، ويمكن إجمالها في النقاط الآتية:

1- لأول مرة في تاريخ الجمعية العامّة، يقدم مشروع قرار لإدانة المقاومة الفلسطينية المشروعة والمكفولة في القانون الدولي، وتعتبر سابقة قانونية خطيرة أن تصوّت الجمعية العامّة ضد ميثاقها وضد مبادئها، التي استقرت عليها في قراراتها التي أصدرتها منذ إنشائها سنة 1945 وحتى اليوم.

2- بقاء المقاومة الفلسطينية في دائرة الاتهام بـ"الإرهاب" وعدم الشرعية، رغم عدم صدور قرار بإدانتها لسبب شكلي إجرائي، وهو عدم حصولها على النصاب القانوني المطلوب وهو أغلبية الثلثين، ولكن موضوعياً 120 دولة لم تعترض على ذلك، بل منها 87 دولة أعلنت موقفها بإدانة المقاومة الفلسطينية وحماس في غزة، وتؤيد فكرة تجريمها ونعتها بالإرهاب وصوتت فعلياً بالموافقة، و33 دولة امتنعت عن التصويت وبغض النظر عن الأسباب التي دفعتها لذلك، وعلى الرغم من عدم احتساب أصواتها في نتيجة التصويت، ولكن في الجانب القانوني يسجل عليها أنها اتخذت موقفاً سلبياً والتزمت الصمت وتخلّت عن حقها في التصويت ضد مشروع القرار، الذي يخالف قواعد القانون الدولي، فيما كان لزاماً عليها أن تعبر عن إرادتها صراحة في رفض مشروع القرار. وهنا قد يؤول سكوتها وامتناعها عن التصويت إقراراً وقبولاً بمشروع القرار، والقاعدة العامّة تقول بأنه: لا ينسب لساكت قول ولكن السكوت في معرض الحاجة بيان.

3- خلق أرضية دولية وقانونية - زائفة - لنزع صفة الشرعية عن المقاومة الفلسطينية المسلّحة، وتجريد الفصائل الفلسطينية في غزة، وعلى رأسها حماس من طبيعتها ووصفها الأصيل ومركزها القانوني كحركات تحرر وطني، اعترف لها القانوني الدولي بالشخصية الدولية.

4- لجوء الولايات المتحدة والكيان الصهيوني إلى الجمعية العامّة يعدّ نقطة تحول خطيرة جديرة بالدراسة، أن تهاجم دولة الاحتلال من مناطق ضعفها وأن تبادر بشنّ هجوم قانوني معاكس لاستصدار قرار أممي يكون غطاءً لاجتثاث المقاومة الفلسطينية من جذورها، من خلال عمل عسكري واسع مدعوم دولياً على غرار ما حصل في العراق.

ويبقى السؤال الأهمّ.. ما هي الآثار القانونية المترتبة على مشروع القرار فيما لو تم تمريره؟
ربما لم يدرك الكثيرون ممن كتبوا حول هذا الموضوع الأبعاد القانونية لهذا القرار، وهذا يفسر سبب اعتبارهم فشل مشروع القرار انتصاراً عظيماً لحماس والمقاومة الفلسطينية، وتخفيفهم من وقع نتيجة التصويت الكارثية، محاولين إيجاد المبررات للدول التي أيدت مشروع القرار، معتقدين أن الأمر انتهى عند هذا الحدّ، وكأنها ضربة جزاء في مباراة كرة قدم تم إهدارها.

ولكن الحقيقة خلاف ذلك، فلو أن هذا القرار صدر واعتمدته الجمعية العامّة للأمم المتحدة، فإنه سيترتب عليه آثار قانونية خطيرة جداً قد تعصف بالقضية الفلسطينية برمّتها، فهو لا يمسّ حركة حماس وحدها، بل يمسّ كل أشكال المقاومة الفلسطينية السلمية والمسلحة والتراث النضالي للشعب الفلسطيني منذ النكبة وحتى اليوم، وسنعرض تالياً أهم هذه الآثار القانونية:

1- سيكون أول قرار أممي يجنح لإدانة المقاومة الفلسطينية وتجريم الكفاح المسلح ضد الاحتلال الإسرائيلي، إذ لم يتم سابقاً إدانة أي مقاومة من الجمعية العامّة للأمم المتحدة، بما في ذلك المقاومة الفيتنامية والكوبية.

2- يمثل انقلاب الجمعية العامّة على ميثاق الأمم المتحدة وقواعد القانون الدولي، وخاصة اتفاقيات جنيف لسنة 1949، هدماً لمبادئ أساسية وراسخة قام عليها القانون الدولي وفي مقدمتها (حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ونيل حريته واستقلاله وحقه في مقاومة الاحتلال الصهيوني بكافة الطرق، بما فيها الكفاح المسلح وحقه في الدفاع الشرعي عن نفسه ضد عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي).

3- بناء أساس قانوني صلب سيترتب عليه ملاحقة المقاومة الفلسطينية، أفراداً وقيادات وكل من ساندهم ودعمهم بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، أمام المحكمة الجنائية الدولية وهذا سيتسبب في ملاحقة رؤساء ومسؤولين في دول عربية وإسلامية، وشخصيات عالمية من برلمانيين وصحافيين وسياسيين وإعلاميين، ومنظمات حقوقية وقانونية ساندت المقاومة الفلسطينية. وإضافة لذلك، فقد تتم ملاحقتهم أميركياً بموجب قانون جاستا (العدالة في مواجهة رعاة الإرهاب) الذي أقره الكونغرس الأميركي سنة 2016.

4- وستمتد آثاره أيضاً لتطاول فرض عقوبات اقتصادية وسياسية على الدول التي دعمت المقاومة الفلسطينية، وملاحقتها بتهم تمويل الإرهاب، وكذلك ستطاول العقوبات بنوكاً ومؤسسات مالية عربية وإسلامية ممن تعاملت معهم، كما حصل مع البنك العربي في الولايات المتحدة الأميركية.

5- يفتح الباب على مصراعيه أمام المستوطنين الصهاينة وعائلاتهم، لرفع دعاوى قضائية للمطالبة بتعويضات مالية ضخمة ضد دول عربية وإسلامية دعمت المقاومة الفلسطينية في مرحلة ما، على سند دعم وتمويل الإرهاب الفلسطيني، والمطالبة بالحجز على أموالها المودعة في البنوك الأميركية والأوروبية.

6- إدانة إطلاق صواريخ المقاومة الفلسطينية على المدنيين في المستوطنات يعني ضمنياً:
أ‌. تغيير المركز القانوني للفصائل الفلسطينية المقاومة، من حركات تحرر وطني تمارس حقها الشرعي في الدفاع عن النفس وردّ عدوان الاحتلال، إلى منظمات إرهابية تستهدف المدنيين الآمنين في بيوتهم.

ب‌. الاعتراف لقوات الاحتلال الإسرائيلي بحق الدفاع الشرعي عن النفس ضد "عدوان الإرهاب الفلسطيني"، وهذا يعطيها الضوء الأخضر لارتكاب مزيد من المجازر والجرائم ضد شعبنا الفلسطيني في غزة والضفة.

ت‌. إضفاء الشرعية القانونية على المستوطنات وسكانها من المستوطنين، وتغطيتها بالحماية الدولية، بما يشكل مخالفة جسيمة لأحكام وقواعد قانونية آمرة في القانون الدولي، التي تجرم الاستيطان وتعتبره جريمة حرب وفق نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

ث‌. تدعيم الرواية الصهيونية بقرار أممي كنواة لأساس قانوني، لنزع الصفة الجرمية عن ممارسات الاحتلال الصهيوني وجرائمه في حق الشعب الفلسطيني، طوال سبعة عقود تحت ذريعة محاربة الإرهاب الفلسطيني.

ج‌. إضفاء الشرعية على حصار غزة، وإيجاد مبررات قانونية لاستمراره وتشديده على سند تجفيف منابع الإرهاب ومحاربته للقضاء عليه، وبناء أساس قانوني لتجريم مسيرات العودة السلمية ونزع شرعيتها.

ح‌. حبل إنقاذ ودفاع قانوني لا يقدر بثمن لمجرمي الحرب الصهاينة، من قادة سياسيين وعسكريين في دولة الاحتلال الإسرائيلي أمام المحكمة الجنائية الدولية ومجلس حقوق الإنسان.

خ‌. إيجاد مبرر قانوني لإحالة ملف حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية، كمنظمات إرهابية للمحكمة الجنائية الدولية، بواسطة الإحالة عن طريق مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة، وهذا ما عجزت عنه دولة الاحتلال الإسرائيلي لسنوات، لكونها ليست عضو المحكمة الجنائية الدولية ولم تصادق على نظام روما الأساسي لسنة 1998.

د‌. الاعتراف بشرعية الاحتلال على الأراضي المحتلة سنة 1967، وإضفاء الشرعية على احتلال الكيان الصهيوني لأراضي 1967، والاعتراف بسيادته القانونية عليها.

ذ‌. تبييض تاريخ طويل من الإجرام الصهيوني، وإعطاء صك براءة من أكبر منظمة دولية هي الأمم المتحدة لقوات الاحتلال الإسرائيلي عن كافة جرائمها السابقة، وحروبها العدوانية على الشعب الفلسطيني في غزة، وتأكيد لروايتها المكذوبة بالدفاع عن نفسها وأرضها التاريخية المزعومة.

ختاماً
بعد فشل مشروع القرار الأميركي بتجريم المقاومة الفلسطينية وحركة حماس وإدانتها بتهمة الإرهاب، وبعد التلاحم الفلسطيني والعربي، آن الأوان لإتمام المصالحة وتحقيق الوحدة الوطنية، وتوحيد كافة الجهود والطاقات نحو التصدي للاحتلال الصهيوني واستدراك الفرصة التاريخية التي فوتناها لفضح الكيان الصهيوني أمام العالم، واستثمار إصداره قانون قومية الدولة اليهودية العنصري.. إذ انشغلنا بالمناكفات الحزبية والصراعات الفصائلية، وتركنا العالم ساحة فارغة للصهاينة يروّجون لأكاذيبهم ويخدعون الأمم والشعوب ويمثلون دور الضحية، ونتيجة لذلك كدنا ندفع ثمناً غالياً وكادت الكارثة أن تقع لولا لطف الله تعالى وموقف بعض الأحرار في العالم.

ما حصل كان محاولة أولى فشلت ولكن الأمر لم ينته بعد، فهذه المحاولات ستتكرر مستقبلاً وبشكل أكثر دهاءً ومكراً، وهذا ما يخيف عند إعادة عرض مشروع القرار على الجمعية العامة في وقت قريب، كما وعد رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو، الذي اعتبر نتيجة التصويت وحصد 87 صوتاً مع القرار نجاحاً له لا لحماس، لأنها المرة الأولى كما قال. وأضاف "لقد حصلنا على عدد كبير من الدول التي أدانت حماس واعتبرتها حركة إرهابية". وأمام هذا التحدي القانوني، بات لزاماً على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية أن تعيد بناء المنظمة، بحيث تضم لها حركة حماس وكافة الفصائل الفلسطينية الأخرى، بحيث تكون جزءاً لا يتجزأ منها لكونها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني أمام المجتمع الدولي، ما يعطي فصائل المقاومة ضمنياً الاعتراف الدولي بشرعيتها وإسقاط صفة الإرهاب عنها..

ومن جهة أخرى.. تضاعفت المسؤولية على حماس وفصائل المقاومة الأخرى، في أن تخوض معركتها القانونية وتستعين بقانونيين ومحامين غربيين وعرب (أفراد ومؤسسات) لمواجهة الماكينة القانونية والإعلامية الصهيونية، وفضح أكاذيبها وتضليلها للرأي العام العالمي، وتعريف العالم بأجمعه بحقيقة واقع الحال والمركز القانوني السليم للمقاومة الفلسطينية كحركة تحرر وطني، تكافح ضد الاحتلال وتدافع عن نفسها أمام العدوان المستمر وجرائم الكيان الصهيوني، وفي مقدمتها الحصار الجائر لأكثر من مليوني فلسطيني في غزة، وهذا الدور يجب أن تكمله وتشارك فيه السفارات والجاليات الفلسطينية في كافة دول العالم، وخاصة الدول التي أيدت مشروع القرار وتلك التي امتنعت عن التصويت.
9CCA9ABB-3959-4C11-9859-245652445B40
معتز المسلوخي

محامي وباحث قانوني مقيم في قطر... عضو الأمانة العامة ورئيس اللجنة القانونية في المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج وعضو منظمة العفو الدولية.