فشل السيسي بأزمة مخالفات البناء: تنازلات لاحتواء الغضب الشعبي

فشل السيسي بأزمة مخالفات البناء: تنازلات لاحتواء الغضب الشعبي

13 سبتمبر 2020
نصحت الرئاسة بعدم تحميل المواطنين أعباء إضافية (فريديريك سلطان/Getty)
+ الخط -

في محاولة لتقليل حدة الاضطراب الجماهيري والغضب الشعبي بين المصريين، ولا سيما في الأقاليم والمناطق الريفية والفقيرة، بسبب إصرار الرئيس عبد الفتاح السيسي وحكومته على أن يكون اليوم الأخير من شهر سبتمبر/أيلول الحالي هو نهاية فترة تقديم طلبات التصالح في مخالفات البناء وسداد رسومها، أعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أمس السبت، عن توحيد سعر التصالح للمتر في المناطق الريفية بالحد الأدنى المقرر في القانون، وهو 50 جنيهاً (3 دولارات) للمتر الواحد. كما أعلن مدبولي عن حافز آخر في محاولة لتهدئة الرأي العام، يتمثل في خصم 25 في المائة من قيمة التصالح، إذا طلب المواطن إتمامه من دون تقسيط.
يأتي ذلك بعد أيام معدودة من إعلان مدبولي المضي قدماً في الخطة الحكومية لتحصيل رسوم ومقابل المخالفات من دون تنازلات، مع تفويض المحافظين في تخفيض المقابل في بعض المناطق لتحصيل أكبر قدر من المبالغ المالية، ما يعبّر عن تراجع حكومي ملحوظ في هذا الملف، وفشل في إدارة الأزمة بالطريقة التي كان قد وجّه بها السيسي.

يتبلور غضب شعبي تزامناً مع دعوات للتظاهر في الذكرى الأولى لتظاهرات 20 سبتمبر

وأكدت هذه القرارات ما نشرته "العربي الجديد" في العاشر من شهر سبتمبر/أيلول الحالي، عن توصيات أمنية كشفتها مصادر حكومية، بإحداث تغيير في التعامل الإعلامي والحكومي مع أزمة مخالفات البناء. ويتمثل الشقّ الأول في التغيير، بالسماح ببث ونشر مواد تتضمن انتقادات لقيمة التصالح في المخالفات ومطالبات بتخفيضها وتقسيطها، وذلك بهدف قطع الطريق على الإعلام المعارض ليكون الساحة الوحيدة للمواطنين الغاضبين كما هي العادة. أما الشق الثاني، فيتمثل في منح المحافظين سلطة خفض قيمة المخالفات بنسبٍ تصل إلى 50 أو 40 أو 30 في المائة، حسب القيمة الأصلية لها وفقاً للقانون، أو تقسيطها بالنسبة للمناطق الحضرية.

وأوضحت مصادر أمنية، أن محاولات التراجع عن السياسة المتشددة التي أوصى السيسي باتباعها في هذا الملف، تأتي تخوفاً من الغضب الشعبي الذي بدأ يتبلور في أشكال سياسية بمطالبات للرئيس المصري بالرحيل. وتواكب ذلك مع دعوات التظاهر في الذكرى الأولى لتظاهرات الـ20 من سبتمبر/أيلول الماضي، في ظلّ تأثر ملايين المواطنين بالقرار، الذي يصفه مراقبون بأن هدفه الأول هو جني مزيد من الأموال من جيوب المصريين، بعد ما توقف الدعم الخليجي للنظام المصري. وذكرت المصادر أن تقريراً للحالة الأمنية شدّد على الرئيس بضرورة إجراء تدخل من قِبله يحسم تلك الأزمة، بشكل يعيد الهدوء للشارع، ويمنع استغلال الغضب الذي يسيطر على السواد الأعظم من المصريين. وبحسب المصادر، فإن التقرير اقترح على السيسي ضرورة خروجه في كلمة متلفزة، يؤكد خلالها حرصه على مراعاة غضب البسطاء.

وأوضحت المصادر أن التسهيلات التي تمّ إدخالها على إجراءات التصالح في البداية، مثل التقسيط، لتخفيف العبء والنفقات، لم تفضِ إلى تهدئة الغضب، في ظل حجم الضغوط الملقاة على عاتق المواطنين البسطاء. ويأتي ذلك في ظل قرارات نزع الملكيات الخاصة لصالح عدد من المشروعات الحكومية، ووقف البناء لمدة 6 أشهر، وامتداد ذلك القرار على عمليات التشطيبات الداخلية لكافة المباني على مستوى الجمهورية. وأضافت المصادر أن تعليمات صدرت إلى المحافظين بتخفيض رسوم التصالح في مخالفات البناء بنسبة 25 في المائة، مشيراً إلى قرار وزارة الداخلية الصادر قبل يومين، والخاص بالتراجع عن الزيادة التي فرضت سابقاً على رسوم استخراج رخصة قيادة السيارات الخاصة، والتي تتمثل في بند الكشف الطبي وإعادتها إلى 285 جنيهاً، بدلاً من 935 جنيهاً.

وتلقى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، أول من أمس الجمعة، تقريراً من وزير التنمية المحلية محمود شعراوي، أكد خلاله قيام 23 محافظة، بتخفيض رسوم التصالح بقيم تتراوح ما بين 10 في المائة إلى 70 في المائة، تخفيفاً عن كاهل المواطنين، ومراعاة للبعُد الاجتماعي في تقدير رسوم في مخالفات البناء. وشملت تلك المحافظات، القاهرة والقليوبية والإسكندرية والبحيرة والمنوفية والغربية وكفر الشيخ ودمياط والدقهلية. كما شملت شمال سيناء وبورسعيد والإسماعيلية والسويس والشرقية والمنيا والفيوم وأسيوط وسوهاج، بالإضافة إلى قنا وأسوان والبحر الأحمر والأقصر وجنوب سيناء.
وأشار شعراوي إلى أن محافظة القاهرة جاءت في صدارة المحافظات تخفيضاً للرسوم للمرة الثانية، إذ بدأت بتخفيضها بنسبة تتراوح ما بين 30 و55 في المائة، ومرة أخرى قامت بتخفيض يتراوح بين 20 و70 في المائة، كما خفضت محافظة جنوب سيناء الرسوم بنسبة 25 في المائة على القرى والمدن، فضلاً عن تخفيض محافظة القليوبية الرسوم بنسبة بين 10 و50 في المائة، والإسكندرية بنسبة 25 في المائة. ولفت شعراوي إلى أن محافظة البحيرة قامت بالتخفيض بنسبة 20 في المائة، والمنوفية بنسبة 20 في المائة، والغربية بنسبة من 30 إلى 40 في المائة، وكفر الشيخ بنسبة من 25 إلى 40 في المائة، ودمياط بنسبة 30 في المائة، والدقهلية بنسبة 10 إلى 20 في المائة.

قامت 23 محافظة بتخفيض رسوم التصالح بقيمة تتراوح ما بين 10 في المائة إلى 70 في المائة 

وكشف تقرير التنمية المحلية عن تخفيض محافظة شمال سيناء الرسوم حوالي 25 في المائة، حيث تمّ تخفيض 50 جنيهاً على المتر في المساحات الأقل من ألف متر، وبلغ متوسط سعر المتر بالمناطق المتميزة بالمدن سكني 500 جنيه، والتجاري 850 جنيها، والصناعي 500 جنيه، والأخرى 600 جنيه. ولفت التقرير إلى أن نسبة التخفيض بمحافظة بورسعيد تراوحت بين 10 و30 في المائة على سعر المتر للرسوم السابق الإعلان عنها والسابق تقديرها من قبل اللجان المختصة بقيمة 10 في المائة لمدينة بورفؤاد وحي الشرق و20 في المائة لأحياء الزهور والضواحي والعرب والمناخ والغرب و30 في المائة على حي الجنوب.
وأوضح التقرير أن نسبة التخفيض في محافظة الإسماعيلية بلغت حوالي 25 في المائة، والسويس حوالي 20 في المائة، والشرقية حوالي 20 في المائة، والمنيا بنسبة من 40 في المائة إلى 50 في المائة، والفيوم من 30 في المائة إلى 50 في المائة، وأسيوط من 20 إلى 30 في المائة، وسوهاج من 10 في المائة و25 في المائة. وأشار وزير التنمية المحلية إلى أن محافظة قنا قامت بتخفيض الرسوم بنسبة 25 في المائة، والبحر الأحمر من 30 إلى 40 في المائة، والأقصر حوالي 20 في المائة.

وحدد القانون الجديد رقم 17 لسنة 2019، المتعلق بالتصالح في بعض مخالفات البناء وتقنين أوضاعها غرامات التصالح، لتتراوح من 50 إلى ألفي جنيه للمتر المسطح الواحد، وذلك بحسب المستوى العمراني والحضاري وتوافر الخدمات في المناطق المختلفة، وهو ما تحدده لجان محلية معنية بكل محافظة.
ويثير القانون العديد من المشكلات، والتي يأتي في مقدمتها أنه لا يتضمن أدوات تنفيذية لتحصيل مبالغ التصالح من ملاك العقارات غير الموجودين أو من أنشأوا العقارات وتخارجوا منها بعد بيع الوحدات السكنية، ما يفتح الباب لترتيب جزاءات وأضرار على المواطنين الذين اشتروا العقارات المخالفة من دون ارتكاب أي جريمة.
وكشفت مصادر رسمية مصرية عن أن تقارير سيادية حذرت السيسي من ذلك القرار، مشيرة إلى أن التعليمات الجديدة الخاصة بتخفيض قيمة التصالح في مختلف المحافظات بقيمة تراوحت بين 30 في المائة و40 في المائة هي محاولة لامتصاص غضبة الشارع المصري، لا سيما أن القرارات الخاصة بالتصالح في مخالفات البناء وما صحبها من إزالات، جاءت ضمن حزمة من القرارات الرسمية التي مسّت المواطن البسيط، والتي كان من ضمنها زيادة أسعار تذاكر القطارات ومترو الأنفاق، وكذا تخفيض حجم الدعم المقدم لرغيف الخبز. ولفتت المصادر إلى أن التسهيلات شملت إعفاء المتقدمين للتصالح من تقديم تقرير فني ورسم هندسي، من جانب مكتب هندسي معتمد، وهو الإجراء الذي كان يمثل نسبة كبيرة من قيمة المصالحات.
وقال مسؤول أمني كبير، إن الحكومة المصرية قررت التراجع عن بعض القرارات التي تزيد من أعباء المواطنين محدودي الدخل، بعد تقارير قدمتها وزارة الداخلية متمثلة في جهاز أمن الدولة، إلى رئاسة الجمهورية، تنصح فيها بعدم تحميل المواطنين أعباء إضافية.

المساهمون