أخيراً، وبعد أسبوعين، جاء التعديل الوزاري المنتظر، وبعد أخذٍ وردّ بين رئيس الجمهورية الفرنسية إيمانويل ماكرون، ورئيس حكومته إدوار فيليب، ظهر صمود الأول، الذي استنجد بالوقت والصبر، في وجه طلبات وطموحات رئيس حكومته، الذي يبدو، من خلال الشعبية المتزايدة، أنه خرج من ظل الرئيس، أثناء مختلف التحديات التي عرفتها الحكومة الفرنسية، والذي اتهمته قيادات مقربة من ماكرون بالسعي لجر الحكومة نحو اليمين، في إشارة إلى سعيه لتنصيب شخصية أمنية، مقربة من اليمين، كفرديريك بيشنار، في وزارة الداخلية، خلفاً لجيرار كولومب.
وبحسب الإعلان الصادر عن الإليزيه، صباح اليوم الثلاثاء، وبناء على اقتراح من رئيس الحكومة، قرر الرئيس "إنهاء وظائف" الوزراء جاك ميزار، وزير تماسك الأقاليم، وفرنسواز نيسين، وزيرة الثقافة، وستيفان ترافير، وزير الفلاحة والتغذية، وديلفين جيني - ستيفان، سكرتيرة الدولة لدى وزارة الاقتصاد والمالية.
ولم يكن أمام ماكرون بدّ في اختيار وزير داخليته، وهي وزارة حسّاسة، من الالتفات إلى شخصية سياسية مقربة منه. وكما اختار في البداية الاشتراكي السابق جيرار كولومب، الذي كان دورُه حاسماً في وصوله إلى الإليزيه، قرر، هذه المرة، تعيين أحد المقربين الأوفياء، من الحلقة الأولى التي لعبت أدواراً قيادية في وصوله للسلطة، وهو كريستوف كاستانير، الذي يشغل منصب رئيس حزب "الجمهورية إلى الأمام"، وأيضاً منصب سكرتير الدولة المكلف بالعلاقات مع البرلمان.
ويأتي تعيين هذا القيادي الاشتراكي السابق، أوفى أوفياء الرئيس، في هذا المنصب، بعدما عبّر، قبل أشهر، عن رغبته في شغل هذا المنصب، والذي تتحدث مصادر عديدة عن تهديده بمغادرة الحكومة في حال عدم الاستجابة لطلبه، رغم نفي الإليزيه لهذه الضغوطات.
وغير خافٍ أن الرئيس الفرنسي، باختياره شخصاً "سياسياً" مقرّباً، رغم إلحاح رئيس الحكومة على شخصية تقنية خارجة من رحم وزارة الداخلية، إنما يريد شخصاً قادراً على الإشراف على التقطيع الانتخابي، الذي سيكون منسجماً مع الإصلاح الدستوري الموعود، وقادراً، أيضاً، على التصدي للقضايا الأمنية، وإيجاد حلول ناجعة لتحديات الهجرة، وأخيراً تنظيم علاقات طبيعية مع الديانات، وخاصة مع الإسلام. ومن أجل معاضدته، تم تعيين لوران نونيز سكرتير دولة لدى وزارة الداخلية.
وعلى الرغم من أن الحكومة الفرنسية لم تقدّم استقالتها، إلا أن الكثير من الوزراء غادروا الحكومة، فيما آخرون ولجوا إليها، إضافة إلى آخرين غيّروا، فقط، من وزاراتهم.
وهكذا تمت تسمية وزير التربية الوطنية، جان ميشيل بلانكي، وزيراً للتربية الوطنية والشباب.
وفي محاولة منه لإرضاء حزب "موديم" الموالي للحكومة منذ الساعات الأولى، والذي لم يُخفِ رئيسه فرانسوا بايرو وأعضاء قياديون فيه انتقادهم لتسلط الرئيس ونكرانه للجميل، وهو ما ظهر جلياً في تقديمهم لمرشح في مواجهة مرشح ماكرون، ريشار فيران، لترؤس مجلس النواب، ما حصد إضافة إلى أصواته الـ60 أصوات 40 من نواب في حزب الرئيس نفسه، قرر ماكرون تعيين القيادية في "موديم"، جاكلين غورو، التي كانت في السابق سكرتيرة دولة في وزارة الداخلية، في منصب مهم يتعلق بوزارة تماسك الأقاليم والجماعات المحلية، وذلك محل الوزير جاك ميزار الذي غادَر الحكومة. وسيعاضد غورو، وزيران اثنان، هما سيباستيان لوكورنو، مكلفاً بالجماعات الإقليمية، وجوليان دينورماندي، مكلَّفا بالمدينة والسكن، وهو مقرَّبٌ من ماكرون.
ومن أجل تعميق التقارب مع حزب "موديم"ـ الحليف، تقرّر تعيين مارك فينو، الذي يشغل منصب رئيس مجموعة "موديم" في مجلس النواب، والذي ترشح ضد ريشار فيران لرئاسة هذا المجلس، في منصب كريستوف كاستانير، مع منحه منصب الوزير المكلف بالعلاقات مع البرلمان، بدل منصب سكرتير الدولة.
كما دخل إلى الحكومة الجديدة، في طبعتها الثالثة، ديديي غيوم، وزيراً للفلاحة والتغذية، خلفاً لستيفان ترافير.
وعينت إيمانويل فارغون سكرتيرة دولة لدى وزارة الدولة ووزارة البيئة.
وعينت كريستيل دوبوس سكرتيرة دولة لدى وزارة التضامن والصحة. كما عينت أنييس بانيي روناشير سكرتيرة دولة لدى وزارتي الاقتصاد والمالية.
وكما كان منتظراً، خرجت فرانسواز نيسين من وزارة الثقافة، بسبب مشاكلها مع القضاء، كانت صحيفة "لوكانار أونشينيه" قد كشفت عنها، وحلّ محلها فرانك ريستر. ويعتبر هذا الأخير قادماً من حركة "Agir"، التي تعتبر تجمعاً لعناصر قادمة من حزب "الجمهوريون"، يؤيدون، غالباً، قرارات الحكومة. ويعتبر هذا التعيين ضربة معلم من قبل رئيس الحكومة، فهي محاولة لاستمالة العديد من أطر حزب "الجمهوريون"، ومكافأة من يتحالف مع الحكومة منهم.
ولتعزيز حزبه "الجمهورية إلى الأمام" بالطاقات الشابة، قرر ماكرون تعيين غابرييل أتال سكرتير دولة مكلف بالشباب لدى وزير التربية الوطنية، جان - ميشيل بلانكي، القادم من اليمين، وهو أكثر وزراء ماكرون شعبية في الوقت الراهن.
وفي نهاية الأمر، خرج ماكرون منتصراً من التجاذب مع رئيس حكومته، الذي يتمتع بشعبية متزايدة، وفرَضَ رجالَه الأوفياء في الأمكنة المناسبة، واستطاع إرضاء الحليف الوسطي "موديم"، بما يرفع من شأن كبريائه وأنفته، بعد طول تململ وعتاب، وفي الوقت نفسه، هو بعث برسائل إغواء، في أفق الانتخابات الأوروبية، لكل من يريد اللحاق به، سواء من اليمين أو اليسار.