فرنسا: حزب "الجمهوريون" اليميني يَنتخب رئيساً له

فرنسا: حزب "الجمهوريون" اليميني يَنتخب رئيساً له

13 أكتوبر 2019
تركيز يميني على قضايا الإسلام والهجرة (جوليان ماتيا/Getty)
+ الخط -


ينتخب 130 ألف عضو في حزب "الجمهوريون" الفرنسي اليوم الأحد، رئيسهم الجديد، من بين ثلاثة مرشحين، هم: كريستيان جاكوب، وجوليان أوبير، وغيوم لاريفي.

وتأتي هذه الانتخابات بعد هزائم سياسية تاريخية، دفعت كثيراً من قيادات الحزب إلى المغادرة، سواء بالانضمام إلى حزب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، مثل رئيسي الحكومة الأسبقين آلان جوبيه وجان بيير رافاران، أو باختيار نوع من العزلة الحزبية في انتظار الساعة للانقضاض على الحزب اليميني واستمالة ناخبيه وأنصاره، كما فعل كزافييه بيرتران وزميلته فاليري بيكريس.

واختار كزافييه بيرتران هذه المناسبة، أي الانتخابات الداخلية لأكبر حزب يميني، لإعلان مواقفه "المتشددة" من الإسلام والهجرة، وهي مواقف لا يختلف حولها كثيرون في اليمين الفرنسي، وكذلك في اليمين المتطرف.

ولحزب "الجمهوريون" واليمين الكلاسيكي الفرنسي تجارب غير موفقة مع الإسلام في فرنسا. ففي كل أزمة اقتصادية واجتماعية يُشهرون الإسلام كفزَّاعة، ويُوصون المسلمين بجرعات إضافية من العلمانية، وكأنهم أقلّ علمانية من مواطنيهم من كل الديانات والمعتقدات. وهو تشدد لا يتوقف عن إثارة مُزايَدات، سياسوية وانتخابوية، في كثير من الأحيان، مع الرئيس إيمانويل ماكرون وسياساته في هذا المجال.

واستخدم اليمين أغلبيته في مجلس الشيوخ، للتشدد وإدخال تعديلات صارمة على مختلف مشاريع القوانين التي تتقدم بها الحكومة، وكان آخرها تصويته على مشروع قانون يُطالب بمنع الأمهات المحجبات من مرافقة أبنائهن في نزهات خارج المدرسة، على اعتبار أنه يتناقض مع "الحياد العلماني"، وهو تعديل رفضته الحكومة الفرنسية.

ومن حين إلى آخر، تظهر مواقف من زعماء هذا اليمين، وكأنهم يتنافسون على إبداء أكبر قدر من التشدد حيال مواطنيهم المسلمين، ومن بين أكثرها إثارة، إقدام القيادية المستقيلة من "الجمهوريون"، فاليري بيكريس، مع منتخبين من حزبها، في مشهد لن تنساه الأعيُن، على دوس مصلّين في الشارع أثناء أدائهم للصلاة، علماً أن مسؤولاً من حزبها وعد المسلمين بمنحهم مكاناً للعبادة مقابل التصويت له، فتراجع حين نجح في الانتخابات.

وإضافة إلى هذه القيادية، بيكريس، التي لا تخفي طموحها إلى الترشح للرئاسيات، محمولة بترؤسها لأكبر جهات فرنسا وأغناها، "إيل دو فرانس"، خرج قيادي آخر سابق في الحزب نفسه، وهو رئيس منطقة الشمال، كزافييه بيرتران، في لقاء مع "لوجورنال دي ديمانش"، في تصريحات لا تخلو من مزايدات مع مواقف الرئيس ماكرون.

في البداية، امتدح بيرتران الخطاب الأخير لرئيس الجمهورية في تكريم الشرطيين الأربعة الذين قضوا في اعتداء من قبل زميل لهم، وهو اعتداء لا تزال التحقيقات تبحث عن الأسباب التي أدت بهذا المهاجم إلى تنفيذ هذه المجزرة في قلب مقر الشرطة الفرنسية، وامتدح خاصة تعبير "الشر الإسلاموي".

لكن بيرتران أبدى حذراً من تعبير "مجتمع اليقظة"، الذي طالب به الرئيس ماكرون، على اعتبار أن الرئيس يستطيع تعبئة المجتمع، لكن "مسؤولية الدولة ورئيسها لا يمكن تفويضُهما إلى أحد، ولا يمكن تقاسُمُهما مع أي كان". وفي نوع من التهويل، اعتبر أنّ "على الجمهورية أن تتوقف عن التراجع"، وعليها أن "تخوض حرباً ضد الإسلاموية التي تقضم بلدنا"، وأخيراً، دعا إلى "هجوم جمهوري". وعاد ليشرح أن "حظر النقاب لا يُحترَم في كل أنحاء فرنسا".

واعتبر هذا القيادي السابق، الذي لا يخفي رغبته في الترشح لرئاسيات 2022، أن فرنسا لا تحتاج لقوانين جديدة من أجل طرد أئمة أجانب ودعاة الكراهية. وتعجّب من "قلة عمليات الترحيل في الوقت الذي يوجد فيه 150 مسجداً سلفيّاً في فرنسا".

وهاجم بيرتران، في موقف لا يختلف عن مواقف مارين لوبان، زعيمة "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، عدم تدخل الدولة لوقف منصّات يَعتبرها معادية للسامية: "مثلاً، يورو-فتوى، وهو تطبيق يلتزم خطاباً معادياً للسامية مستوحى من الإخوان المسلمين". واقترح على الحكومة "اللجوء إلى سلاح الغرامات المالية، التي يمكن أن تصل إلى عدة ملايين من اليوروات"، وإذا لم تكن كافية، "فلنَدْرُس إمكانية تجميد المحتويات في بلدنا".

وهاجم بيرتران "الإمام غوغل أو يوتيوب"، واعتبرهما يقودان، قبل المسجد، إلى التطرف. ويمتدح بعض الشركات التي وضعت "ميثاق العلمانية"، ويطالب الحكومة بمنح هذه الشركات الشرعية في ذلك. وهو ما يعني أنه سيقذف في حال تطبيقه، مئات الآلاف من المسلمات إلى البطالة. علماً أن الرئيس ماكرون طمأنَ، أثناء الحوار الكبير، سيدة محجبة، إلى أنه إذا كان قانون العلمانية يمنعها من الاشتغال في الوظيفة العمومية، بسبب حجابها، إلا أنها تستطيع الاشتغال، بكل حرية، بحجابها في شركات خاصة.

وفي هذا الهجوم الكاسح، الذي لم يدَع مجالاً إلا واقتحمه، طالب كزافيي بيرتران، بإكمال الدستور، "من أجل مواجهة الإسلام السياسي"، الذي يقوم حسب رأيه بـ"تجريب وإضعاف الجمهورية، خاصة بمناسبة الانتخابات". ما يعني أن هذا السياسي اليميني يخشى من القوائم الانتخابية، التي يقودها مسلمون فرنسيون، يائسون من طبقة سياسية، يميناً ويساراً، لا ترى فيهم سوى ماكينة انتخابية، ليس لهم وجود خارجها. ويفسّر السياسي اليميني السبب بكون هذه القوائم "تضع القوانين الدينية فوق قوانين الجمهورية". وفي نوع من المزايدة سخر من ردّ وزير الداخلية، الذي اعتبر أن "القانون لا يسمح بإلغاء هذه القوائم"، مطالباً بتغيير القانون، إذا اقتضى الأمر.

وإذا كان انزواء بيرتران في منطقة الشمال، هو لغرض الاستعداد لقفزة سياسية قادمة، فهو ينتظر ساعته، إذ إن طموحَه السياسي لم يَخْفَ يوماً على معلمه الروحي، الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، فهو يحاول أن يطبق في منطقته، باعتبارها مختبراً مصغراً، ما يريدُهُ لفرنسا. فعدّد في هذا اللقاء ما يَعتبره "إنجازات"، ومنها فرضه حظر البوركيني، رغم أن "المدافع عن القانون" فرض على أحد النوادي قبول البوركيني. كذلك فإنه قطع المساعدات البلدية عن راديو باستيل إف إم، بدعوى أن برامجه طائفية، وأنه استقبل طارق رمضان.

وعاد لمساءلة ماكرون عن مصير 70 ألف شخص من المفترض أنهم يوجدون في حالة تطرف، في الوقت الذي "يواصل فيه الإسلام السياسي تقدمه". واعتبر أن اختلافه عن ماكرون نابع من كون الرئيس "ليبيرالياً"، بينما هو "جمهوري".

وفي هجوم قاسٍ على سياسات الحكومة في مجال الهجرة، اعتبر أن الحكومة لا تنفذ قرارات ترحيل المهاجرين الذين استنفدوا طعونات القضاء، واعترف بأن فرنسا عام 2017 لم تطرد سوى أقل من 8 في المائة من الماليين الذين يجب ترحيلهم، على الرغم من أن "دولة مالي مدعومة اقتصادياً وعسكرياً من فرنسا". وطالب ماكرون بأن يخاطب زعماء العالم بأنه لن يمنح تأشيرات دخول لأي مواطن من مواطنيهم إلى فرنسا، وكذلك سيوقف أي دعم، إذا لم تسهّل قنصليات هذه البلدان عودة مواطنيها. وهنا يَعِدنا كزافيي بيرتران بأن "الأمور ستتغير، على الفور".

وتوعد بيرتران، في نهاية اللقاء، بأنه في حالة عدم فعل شيء، بحزم وتصميم، فإن "المواجهات داخل المجتمع مبرمَجةٌ"، وهو ما حذر منه وزير الداخلية السابق، جيرار كولومب، في خطاب وداعه لمنصبه.