وآخر هذه التسريبات التي تضعف رواية ألكسندر بنعلا، لما جرى في الأول من مايو الماضي، ما أوردته صحيفة "لوموند" الفرنسية، أمس الثلاثاء، من أن مدير شرطة باريس، ميشيل ديلبويش، جَانَبَ الحقيقة حين أكّد أمام لجنة التحقيق البرلمانية، وتحت القسم، أن المتظاهَرَين اللذين تعرَّضا للتعنيف من طرف بنعلا، أخفيا هويتهما الحقيقية، وقدَّما نفسَيهما بهويتين مغلوطتين.
وتؤكد الصحيفة الفرنسية ما أكّده محاميهما، من أن موكِّلَيه لم يكذبا أثناء الإفصاح، في مركز الشرطة، عن هويتيهما، وهو ما سمح لهما بعدم قضاء الليلة في المخفر. وأضافت أن المتظاهرَين لم يكونا مسؤولَيْن عن التسبب في أعمال عنف وشغب ضد قوات الشرطة.
وهذا الاعتراف يضعف شهادة ديلبويش، ويهدد باستدعائه، مرة ثانية، أمام لجنة التحقيق البرلمانية، في شهر سبتمبر/أيلول، ويضعف بالتالي رواية بنعلا للأحداث.
وقد سبق لمحامي المتظاهرَين، سنهد صابر، وهو من أصول إيرانية، أن تحدّث، قبل أكثر من أسبوعين، عن أصول غير فرنسية لاسم الشاب، قد تفسّر شكوك بعض أفراد الشرطة، فهو طبّاخ من أصول يونانية.
وكان المدعي العام، فرانسوا مولينس، قد تساءل، بعد ظهور الفضيحة، عن سبب عدم الاحتفاظ بالمتظاهِرَين في السجن، وهو ما رد عليه ديلبويش بالقول: "إن الأولوية تمنح للأفراد المتّهمين بالمشارَكة في أعمال عنف والحاملين أسلحة وملابس سوداء. أي من أعضاء بلاك بلوك المحتملين".
وحصلت تساؤلات مولينس على جواب ثان من طرف "سلامة منطقة باريس"، التي أكّدت أن المتظاهِرَين "كشفا عن هويتيهما وعنوان سكنهما، ولم يرتكبا أي جريمة عنف خطير أو متكرر ضد قوات الأمن". إضافة إلى أن "أعضاء قوات الأمن الذين تعرّضوا لمقذوفات لم يتقدموا بشكوى".
وكان رئيس أركان ولاية الشرطة، لوران سيمونان، قد تحدّث إلى بنعلا، عبر رسائل هاتفية قصيرة، عن أن المتظاهرَ قدَّمَ اسماً وهمياً، وهو اسم لاعب كرة السلة في فريق "سالونيك".
وتأتي هذه التسريبات، التي كان محامي المتظاهرَين سبّاقاً إلى الإفصاح عنها وعن أشياء أخرى، منها العنف الظاهر الذي تلقاه موكّلاه، والذي ينفي بنعلا أن يكون هو المسبّب، ملقياً اللوم على الشرطة، لتقلّل من أهمية تأكيدات ألكسندر بنعلا، في غير ما مرة، أمام المحققين ووسائل الإعلام من أنّ المتظاهرَين "لم يكونا مسالمين"، وأنهما "مرتكبا جُنَح"، و"من مثيري الشغب" واتهم أحد الشابين بأنه "هستيريّ". وهي استراتيجية دفاعية رأى فيها محامي المتظاهَرَين: "محاولة لتبرير تصرفاته".
وفي تسريب جديد يُضعف أيضاً من موقف بنعلا، وأيضاً مَنْ بادَر للدفاع عنه، نشرت صحيفة "لوكنار أونشنيه"، اليوم الأربعاء، ما يثبت وجود قُرْب بين بنعلا وديلبويش، من خلال بطاقة شخصية أرسلها ديلبويش، في شهر يناير/كانون الثاني الماضي، إلى ألكسندر بنعلا، بخطّ يده، وضمَّنَها وُدّه وشكره على الصورة- التذكار التي بعثها إليه وتتضمن بعض أفراد الشرطة مجتمعين حول الرئيس الفرنسي وحرمه.
وتشير الصحيفة إلى أن هذه الصورة ارتأى المحققون عدم ضمّها إلى ملف التحقيق.
وكان ديلبويش في شهادته أمام لجنة التحقيق البرلمانية، وتحت القسَم، نفى وجود علاقات وثيقة مع مستشار الرئيس الأمني، وشدد على أن هاتفه المحمول "لم يتضمن أبداً رقم ألكسندر بنعلا".
وهذه الحقيقة، كما تقول الصحيفة، استطاع المحقّقون اكتشافها أثناء زيارة منزل ألكسندر بنعلا في "إيسّي- لي-مولينو".
وتأتي هذه التسريبات لتضع ديلبويش إلى جانب رئيس مكتب الرئيس، باتريك سترزودا، في موقف حَرج، لكن القضية المربكة ستشهد سقوط رؤوس أخرى، حتى لا تقترب من الرئيس أكثر.
الرئيس ماكرون، الذي قرّر، وبشكل مفاجئ، بعد ظهور التسريبَين الجديدين، أن يخرج من قلعته، أمس الثلاثاء، ليحيّي جمهوره الذي كان ينتظره، منذ أيام، وهي طريقة رئاسية فرنسية قديمة، حتى يحتلَّ الرئيسُ، وحده، الفضاءَ الإعلامي، وبشكل مستمر، ويتحكم في الزمن، في الوقت الذي خَفَتَ فيه، أو كادَ، صوتُ المعارَضات، إلى حين.