فرنسا ترفع السرية عن بعض أرشيف "الإبادة في رواندا"

08 ابريل 2015
خطوة لكسر القطيعة بين البلدين (GETTY)
+ الخط -



في بادرة بالغة الأهمية قرّر الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند رفع السرية عن أرشيف الرئاسة الفرنسية الخاص برواندا في ما يخص حقبة الحرب الأهلية 1990-1995.

وكانت الحرب قد كلّفت رواندا 800 ألف قتيل، وانهيار الأغلبية من الهوتو الموالين لفرنسا، وبالتالي انحسار النفوذ الفرنسي في هذه المنطقة، وتولّي بول كاغامي السلطة عن الأقلية منالتوتسي، ولا يزال الرجل القوي فيها.

وكان الموقف الفرنسي، العسكري والسياسي، خلال تلك السنوات مثيراً الريبة، ما دفع بول كاغامي إلى إدانة التدخل الفرنسي في بلده وأيضاً المشاركة في عملية "الإبادة"، إن عن طريق تسليح الجيش الرواندي المشارك في الإبادة، أو عبر التدخل (رغم وجود قوات لها في الميدان) لوقف المذابح التي تعرضت لها أقلية التوتسي، بأقسى الأوصاف التي تليق بالزمن الكولونيالي.  هذه المذابح التي قامت بها حكومة الهوتو المتطرفة عقب اغتيال رئيس رواندا آنذاك، جوفينال هابياريمانا، في السادس من أبريل/ نيسان 1994.

واختار الرئيس فرانسوا هولاند الذكرى الحادية والعشرين لهذه الإبادة للقيام بهذه المبادرة التي سيكون لها أبعادها، والتي ستفتح بالتأكيد آفاقاً للعلاقات بين البلدين، وتحسّن صورة فرنسا في القارة الأفريقية، خصوصاً أن فرنسا لم تتوقف عن السعي إلى تحسين العلاقات مع رواندا، لكن من دون فائدة، رغم زيارات برنار كوشنير العديدة سنة 2008 إلى الدولة الأفريقية، ورغم اعترافه أن "فرنسا ارتكبت خطأ كبيراً في رواندا".


وسيكون بإمكان الباحثين، وجمعيات الضحايا وجمعيات المجتمع المدني أيضاً، الاطلاع بكل حرية على وثائق رئاسة الجمهورية الفرنسية، قبل أن يتسع الأمر لاحقاً، ويطال أرشيفات أخرى، كالتي في البرلمان أو في وزارتي الشؤون الخارجية والدفاع.

ولم يكن الرئيس بول كاغامي يُفوّت أي فرصة لإدانة "النفاق" الفرنسي ودور فرنسا المشبوه في القارة الأفريقية، وذهب به العداء إلى درجة إرساء علاقات وثيقة مع الولايات المتحدة على حساب علاقات فرنسا التاريخية.

وقد أثار هذا الموقف ارتياحاً بين أوساط المنظمات التي تناضل من أجل شفافية أكبر في العلاقات الفرنسية الأفريقية، ورأت فيه بداية إيجابية لرفع السرية عن كثير من الوثائق والأرشيفات التي تسمم العلاقات بين فرنسا والقارة الأفريقية. ولم تتردد جمعية إي أو إس العنصرية في حثّ الحكومة الفرنسية على "قبول الاعتراف بانخراط بعض مواطنيها في المذابح وتقديمهم للمحاكمة".

وتجدر الإشارة إلى أن هذا القرار الفرنسي، قرار إبداء الشفافية حيال الموقف الفرنسي أثناء عمليات الإبادة في رواندا، كان يراود الرئيس فرانسوا هولاند قبل سنة، بحسب مقربين منه. كذلك تنبغي الإشارة إلى صدور كتب فرنسية قبل سنوات، من بينها كتاب الصحافي الكبير بيير بيّان الذي كتب عن احتلال فرنسا للجزائر وعن جرائم إسرائيل في صبرا وشاتيلا، والذي برّأ الحكومة الفرنسية من أي مسؤولية في المذابح التي وقعت في رواندا آنذاك، كاشفاً في المقابل أن الجبهة الوطنية الرواندية تحت قيادة كاغامي هي التي تسببت في اغتيال الرئيس الرواندي، وأن بول كاغامي كان على علم باغتيال الرئيس، وأشار إلى أن أقلية التوتسي دشنت ما يسميه "ثقافة الكذب". وفي ما يخص موقف الرئيس فرانسوا ميتران والحكومة الفرنسية من الحرب الأهلية الرواندية كتب بيير بيّان أن "الحكومة الفرنسية قامت بكل ما تستطيع لمنع المأساة".

لم تستطع فرنسا فعل شيء، لكن عسى أن تكون هذه البادرة الشجاعة بدايةً لكسر القطيعة مع سياسة فرنسا-الأفريقية (النيو-كولونيالية) التي وَعد كثير من الرؤساء الفرنسيين بكسرها، ولم يفعلوا.

اقرأ أيضاً: إسلاموفوبيا فرنسية.. تصاعد الانتهاكات ضد المسلمين